عندما كان المغرب منقسما بين بلاد المخزن وقبائل الشلوح
أمينة المستاري
خلال فترة إقامته في الدار البيضاء، حدد الطبيب الفرنسي تشكيلة سكانها المتحدرين من الأوساط القروية، واعتبرها صلة وصل بين قبائل الغرب في الشمال والحوز في الجنوب المشكلة لبلاد المخزن.
عمل على تقسيم المجتمع المغربي بين “بربر” و”شلوح” الذين تواجدوا بالمغرب قبل أي اختراق أجنبي لمدة ألفي سنة، قبل أن تأثر فيه غارات عقبة بن نافع وموسى بن نصير وما سماه ب”الاجتياح الهلالي” الذي نتج عنه دخول العرب وامتزاجهم بهم واكتساب عاداتهم ولغتهم واعتناقهم الإسلام في القرن 15 و16 م.، وإسهابا في التفصيل، قام هذا فريديريك بإنجاز خريطة توضح كل ذلك، إلا أنهم رغم ذلك “ظلوا بربرا أقحاح” يقول الكاتب.
كان المغرب سياسيا ينقسم إلى بلاد المخزن، التي تضم القبائل المستعربة وبعض قبائل الشلوح، وإلى بلاد السيبة التي تضم الأمازيغ وبعض القبائل العربية أو المستعربة المتنقلة بين الأطلس والصحراء.
بشكل مسهب وصف حالة بلاد المخزن، التي يحكمها السلطان باعتباره ملكا وقائدا روحيا ودنيويا، يقوم بتعيين القياد لإدارة القبائل، والقائد بدوره يعين مساعديه ومعاونيه. وكانت القبائل مقسمة إلى قبائل الكيش، التي تستغل الأراضي المتواجدة عليها، وقبائل النايبة التي يؤدي سكانها كراء الأراضي بشكل جماعي، وتقدر قيمتها حسب مشيئة السلطان أو أهواء القائد الذي يحدد سومة الكراء، ويقوم الشيوخ بنفس الأمر عند تقسيمها على المنازل، ويجد الملزم بأدائها نفسه وهو يؤديها مضاعفة أضعافا عما فرضه السلطان، هذا الأخير كان يصادر أموال القياد بعد موتهم لعلمه بما يجنونه من المواطنين أحيانا “بغير حق“.
خصص فريديريك سطورا يحكي فيها عن تجليات وأشكال شطط القياد في تلك الفترة التاريخية، والطرق المستعملة لإخضاع القبائل، كما تحدث أيضا عن تمرد بعض القبائل واضطرارها لقتل القياد أو طردهم والسيطرة على أملاكهم لتدخل بعدها في السيبة، ثم يخرج السلطان لتأديب المتمردين كما حدث سنة 1897.
لم يغفل الكاتب الحديث تشريح هيكلة العشائر الأمازيغية والتحالفات العسكرية “اللف”، والتوافقات السياسية فيما بينهما في حالة الخطر الخارجي، والتي تنتهي بانتهاء الحرب أو الخطر.
سنوات طويلة قضاها الطبيب الفرنسي يراقب التغيرات التي تنشأ بين القبائل الأمازيغية، وبينها وبين القبائل المستعربة، وأثارت انتباهه ترسخ بعض العادات عند الأمازيغ والبربر وإيمانهم بالأولياء وانتشار الزوايا… وقوتهم إزاء السلطان في مواقف معينة...وصف مفصل للمغرب المطيع الخاضع للسلطان، والمغرب السائب الذي ليس للسلطان عليه سوى سلطة محدودة.
كما كان لقياد المخزن دور في المنطقة الوسيطة بين المغربين، التي تؤدي الضرائب الشرعية والمسخرة أحيانا لقتال القبائل المتمردة على المخزن، هذا الأخير كان يتخذ الإقليم الذي تقطنه هذه الفئة ستارا لاستغلال مناطق سوس وسهول الغرب والحوز دون أن يستطيع بسط نفوذه عليها إلا لماما، وفي حالة حكم سلطان قوي يمكنه النيل من التكتل الأمازيغي.