DR
مدة القراءة: 4′
“نشأت في بيئة مليئة بالروائح”، هاته هي الكلمات التي عبرت بها مينة چوتيي لهشامي عن حبها لعالم العطور، فبين أحضان الطبيعة المغربية حيث الزهور والعطور الشرقية تغني المشهد، وجدت مينة شغفها الذي قادها لاحقًا لتصبح صانعة عطور، تجمع بين العلم والفن لكي تخلق عطورًا تمتاز بالروح الفريدة.
بدأت رحلتها في مدينة وجدة، حيث كانت جدتها هي مصدر إلهامها الأول، غرست فيها حب الطبيعة والاهتمام بالعناصر النباتية.
شغف مينة بالنباتات والعطور دفعها عام 1979 إلى اختيار دراسة علم الأحياء في باريس، حيث تخصصت في هذا المجال لتعمق معرفتها في عالم الزيوت العطرية، وذلك بعد حصولها على شهادة الباكالوريا بمراكش في شعبة العلوم.
وتحكي مينة التي تعود أصولها إلى مدينة أحفير، خلال حديثها مع يابلادي قائلة “اخترت دراسة علم الأحياء لتعميق معرفتي في هذا المجال الغني واكتساب قاعدة علمية قوية لفهم الزيوت العطرية. وهذا المزج بين الإبداع والمعرفة النباتية قادني إلى أن أصبح صانعة عطور”.
من علم الأحياء إلى صناعة العطور
وفي عام 2003، قررت مينة تأسيس علامتها التجارية الخاصة، أطلقت عليها اسم ” “Minalys”والتي استطاعت من خلالها دمج ثقافتها المغربية العميقة مع أسلوبها الشخصي الذي تأثر بالثقافة الفرنسية. وقالت “لقد منحتني ثقافتي المزدوجة ثراء إبداعيا لا يقدر بثمن. الانتماء إلى عالمين مختلفين أتاح لي استلهام الأفكار من كل منهما، هذا الفهم العميق للعالمين يغذي إبداعي ويظهر بوضوح في تصميم عطوري، خاصة العطور الشرقية التي تحظى بإعجاب كبير من الزبناء في فرنسا”.
يتواجد متجر عطور مينة في قلب مدينة نانسي، داخل صالة عرض استثنائية تضم شجرة عطر عملاقة بارتفاع 3 أمتار وعرض 2.5 متر، تحتوي على 12 قارورة من العطر النقي. “إنها تحفة فنية صنعت خصيصًا في مورانو بإيطاليا .أدعو الجميع لاكتشافها شخصياً أو عبر صفحتنا على إنستغرام ” minalys_off “.
تستلهم مينة عطورها من الرحلات التي تقوم بها في مختلف أنحاء العالم، واكتشافاتها المستمرة لزيوت جديدة ومواد خام مميزة.
“من أجل ابتكار عطوري، أترك نفسي تنجرف مع رغباتي وإلهاماتي المستوحاة من رحلاتي الأخيرة. بعد ذلك، أعمل على تركيب النفحة الأساسية، التي تمثل جوهر العطر بطابعه العميق، والذي يعكس القصة التي أريد روايتها. ثم أنتقل إلى النفحة الوسطى التي تكون أكثر نعومة، وأخيرا أضيف النفحة العليا التي تضفي على العطر طابعا منعشا وحيويا”.
مينة چوتيي لهشامي
ورغم التحديات العديدة التي واجهتها في البداية، بدءا من صعوبة العثور على المواد الخام النقية والمتميزة، وصولا إلى منافسة قوية في سوق العطور، إلا أن هذه العوائق لم تكن سوى دوافع لها لمواصلة الإبداع، مستوحاة من خلطات زهور البرتقال والورد المغربي الذي يعتبره البعض من أرقى المكونات في العالم.
تتمثل أصعب مراحل تطوير العطور بالنسبة لصانعة العطور المغربية، في البحث عن المواد الخام، إذ أنها تصنع العطور باستخدام زيوت أساسية نقية وطبيعية 100%، مما يتطلب منها العمل بمكونات عالية الجودة، والتي غالبا ما يكون العثور عليها أمراً معقداً “لهذا السبب، أسافر كثيرا”.
العطر بالنسبة لمينة، هو أكثر من مجرد رائحة، إنه “ذاكرة حسية تروي قصص الأماكن، الأشخاص، والتجارب”. وكان أحد أبرز إنجازاتها في هذا المجال هو تصميم عطر مخصص لمدينة نانسي، حيث استطاعت أن تلتقط روح المدينة في زجاجة عطرية تباع الآن في ساحة ستانيسلاس الشهيرة.
وقبل بضعة أشهر، صممت عطرا خاصا للفنان الفرنسي المغربي، جاد المالح، “كما قمت بإعداد عطور حسب الطلب لشخصيات بارزة في الإمارات والهند والولايات المتحدة”.
لمسة مغربية في كل عبوة
اليوم، تصر المهاجرة المغربية على تعزيز ارتباطها بالمغرب، وتخطط لتوسيع حضورها في السوق المغربية من خلال مشاريع تصميم عطور حسب الطلب، مستفيدة من غنى المواد الخام الطبيعية التي يزخر بها المغرب. وتروي بنبرة انتماء قائلة “هناك دائمًا لمسة مغربية في كل عطر أصممه، حيث تفرض نفسها بتميز وأناقة. فالورد المغربي، المعروف عالميا بجودته الرفيعة، يحتل مكانة خاصة في عطوري، بالإضافة إلى زهر البرتقال، الذي يحظى بشعبية واسعة في فرنسا”.
إبداعها لا يتوقف عند تصميم العطور فحسب، بل يتعدى ذلك إلى مشروعها الكبير المقبل: “قصر العطور” في أونفيل. وهو قصر تاريخي سيصبح مركزا عالميا لعالم العطور وأوضحت “سيضم 7 أجنحة فاخرة لاستقبال الضيوف، وسيكون وجهة سياحية مميزة تدور بالكامل حول عالم العطور، مع قاعات مخصصة للمعارض حول تاريخ العطور، زجاجات العطور الفاخرة، العائلات العطرية، بالإضافة إلى مختبر حيث يمكن للزوار ابتكار عطرهم الخاص”.
وأنهت صانعة العطور، التي تفخر بهويتها المغربية حديثها قائلة “كل جناح من الأجنحة السبعة يتميز بطابع معماري فريد، وأستلهم تصميمه من المغرب الذي يسكنني، مما يخلق جسرا ثقافيا يجمع بين الشرق والغرب في تناغم رائع يعكس هويتي وشغفي”.