في ظل استمرار عجز الميزان التجاري المغربي الذي يقدر بحوالي 25 مليار دولار أمريكي، باتت الحاجة ملحة لاعتماد استراتيجيات فعّالة لتقليص هذا العجز وتحقيق التوازن في التجارة الخارجية.
ويأتي هذا التوجه في وقت تتزايد فيه الضغوط الاقتصادية العالمية والإقليمية، ما يفرض على المغرب البحث عن حلول مبتكرة لتعزيز صادراته وتقليل اعتماده على الواردات.
في هذا السياق، أطلقت الحكومة المغربية سلسلة من المشاورات الجهوية لإعداد برنامج عمل للتجارة الخارجية للفترة 2025-2026، مستهدفة تحقيق توزيع أكثر عدالة للصادرات بين مختلف جهات المملكة.
وتبرز الإحصائيات الرسمية التحدي الكبير، إذ إن 85% من الصادرات الوطنية تأتي من ثلاث جهات فقط، وفق ما أعلنه عمر حجيرة، كاتب الدولة المكلف بالتجارة الخارجية، خلال جلسة الأسئلة الشفوية الأخيرة بمجلس النواب.
المحلل الاقتصادي، عمر الكتاني، طرح رؤية شاملة لمعالجة عجز الميزان التجاري المغربي، مقترحا التركيز على بدائل الاستيراد كأحد الحلول الأساسية، مشددا على أن المغرب يستورد العديد من المواد التي ينتجها محليا، وإن كان ذلك بكميات غير كافية لتلبية الطلب، ما يؤكد ضرورة أن تلعب المؤسسات العمومية دورا في تشجيع الشركات المنتجة لهذه المواد بهدف تقليص الفجوة بين الإنتاج المحلي وحجم الاستيراد.
من بين الأمثلة التي أوردها الكتاني، القمح، إذ يعتبر المغرب من أكبر المستوردين لهذه المادة الحيوية، ما يستلزم تقديم دعم متكامل بدءا من توفير الأسمدة الضرورية بأسعار معقولة، في ظل كون المغرب أحد أكبر منتجي الفوسفاط عالمياً.
لكنه تساءل: “هل يتم بيع هذه الأسمدة للفلاحين بأسعار رمزية تسهم في دعم الإنتاج المحلي، أم أن الفلاحين مضطرون لشرائها بأسعار السوق كما هو الحال حاليا؟”.
وأضاف الكتاني أن رفع وعي الفلاحين والاعتماد على أحدث التقنيات الزراعية من شأنه أن يزيد إنتاجية الهكتار الواحد بشكل ملحوظ، داعيا إلى الاستثمار في التعليم الزراعي والتكوين المهني لتطوير قدرات الفلاحين.
وأكد المحلل الاقتصادي، أن ضعف الإنتاج لا يقتصر تأثيره على العجز المباشر في الميزان التجاري، بل يمتد إلى التأثير غير المباشر على القطاعات الاقتصادية المرتبطة بالخدمات والاستهلاك.
وفي سياق متصل، أورد المتحدث أن بدائل الاستيراد في القطاع الصناعي تتطلب تطوير التكنولوجيا وتكوين الموارد البشرية القادرة على الابتكار والتصنيع، ورغم التقدم الذي حققه المغرب في بعض الصناعات، مثل السيارات والطائرات، إلا أن الحاجة ملحة لتوسيع دائرة الإنتاج المحلي لتشمل صناعات أخرى، مثل الأجهزة الإلكترونية ووسائل النقل.
ودعا المحلل الاقتصادي إلى إجراء تقييم شامل للصناعات المستوردة، والتركيز على إنتاج ما يمكن تصنيعه محليا باستخدام التكنولوجيا المتاحة، ناهيك على تطوير البحث العلمي لتعزيز الإنتاج المحلي، إذ أن تطويره يمكن أن يساعد في إنتاج مجموعة من المنتجات التي يتم اسيرادها كالأدوية وتقليل الاعتماد على الواردات.
وفيما يخص السياسة النقدية، حذر الكتاني من الضغوط التي يمارسها صندوق النقد الدولي لدفع المغرب نحو تعويم الدرهم، موضحا أن هذا الخيار قد يؤدي إلى انهيار العملة المحلية في ظل العجز التجاري الحالي، مما يزيد من كلفة الواردات ويعمق الخلل في الميزان التجاري.
واختتم الخبير الاقتصادي، عمر الكتاني، تصريحه بالإشارة إلى غياب سياسات عامة شاملة تعالج جذور العجز التجاري، ورغم وجود بعض المبادرات الناجحة، إلا أنه يرى أن المغرب بحاجة إلى منظور استراتيجي متكامل لمعالجة الأسباب الأساسية التي تؤدي إلى تفاقم هذا العجز.
جدير بالذكر أن أن العجز التجاري تفاقم بنسبة 6,5 في المائة ليبلغ 275,74 مليار درهم عند متم نونبر الماضي، مقابل 258,83 مليار درهم سنة من قبل. وحسب معطيات مكتب الصرف فإن هذا التطور يعكس ارتفاع الواردات من السلع (زائد 5,7 في المائة إلى 689,16 مليار درهم)، والصادرات (زائد 5,2 في المائة إلى 413,41 مليار درهم)، مضيفا أن معدل التغطية حافظ على استقراره عند نسبة 60 في المائة.