معاناة مستمرة ووعود لم تتحقق
لم يتغير الوضع كثيراً بعد مرور قرابة سنتين على الزلزال الذي ضرب مناطق واسعة من إقليم الحوز وسوس، مخلفاً دماراً هائلاً في المنازل والمنشآت. الطريق الرابطة بين مراكش وثلاث نيعقوب لا تزال في طور الإصلاح، تغطيها الحفر وتنتشر الصخور الجبلية على أطرافها، في مشهد يعكس بطء جهود إعادة الإعمار وعزلة الدواوير المنكوبة.
طريق الألم… رحلة محفوفة بالمخاطر
الوصول إلى مخيمات المتضررين ليس بالأمر الهين. طريق وعرة تبعث الرهبة في النفوس، تحيط بها الجبال الشامخة بصخورها العملاقة. السماء الزرقاء الممتدة تزيد الإحساس بالعزلة، والفراغ السحيق أسفل الطريق يضاعف الخوف. سيارات النقل المزدوج المكتظة بالركاب تتمايل وسط المنعطفات الترابية، متجنبة الحفر والصخور المتناثرة، وكأن مصير ركابها “في يد الله” كما يردّد السكان.
“قدرنا في المغرب أن يبتلينا الله بمسؤولين يتكلمون أكثر مما يعملون”، يقول سائق سيارة في الخمسينات من عمره، يعمل في نقل المواطنين بين الدواوير. تهدم منزله أيضاً في الزلزال واستفاد من مبلغ 8 ملايين سنتيم، لكن الأشغال توقفت لعدم توفره على المزيد من المال، لإكمال منزله.
يضيف السائق بتلقائية، بينما كان ينقلنا إلى إيجوكاك: “لقد بنيت أعمدة المنزل والسقف، وتوقفت عن البناء. اللجنة قالت إنّ المنزل منهار جزئياً، لكن الحقيقة أن المنزل لا يمكن ترميمه. لقد أصبح ما تبقى منه عبارة عن شقوق على الحيطان، يستحيل الحفاظ عليه، لذلك قمت بهدمه والشروع في إعادة بنائه.”
ثلاث فئات من الضحايا.. والفقر يتعمق
بعد سنتين من الكارثة، يمكن تصنيف ضحايا الزلزال إلى ثلاث فئات متباينة: قلة محظوظة استطاعت الاستفادة من الدعم وإعادة بناء منازلها، وأغلبهم من الميسورين؛ وفئة ثانية استفادت من الدعم لكنها لم تقدر على استكمال البناء، فتوقفت في منتصف الطريق ولا تزال تلجأ إلى الخيام البلاستيكية؛ وفئة ثالثة من الفقراء الذين لم يستفيدوا من أي دعم، إما بسبب تعقيدات إدارية أو لأنهم غير مسجلين في قاعدة البيانات.
“الناس الميسورين قبل الزلزال استطاعوا تجاوز محنة الزلزال وبناء المنازل، لكن الفقراء زادهم الزلزال فقراً”، يردد لحسن، رجل تجاوز الستين من عمره، يسكن في خيمة بلاستيكية مظلمة مع زوجته وأبنائه السبعة في دوار تغبارت بجماعة إيجوكاك قيادة ثلاث نيعقوب، دائرة اسني.
يقول لحسن: “أنا شخص فقير، أمتلك نعجتان وبعض الدجاج… راضٍ بقدر الله، لكن هؤلاء المسؤولين يطالبونني بأن أهدم ما تبقى من منزلي وأن أنقل الصخور والحجارة بعيداً وإلاّ فإنني لن أستفيد من الدعم المخصص لإعادة البناء.”
قصص إنسانية من قلب المأساة
“مي خديجة”.. ضحية “البيروقراطية”
في زاوية من دوار توزونطات تسافت، تعيش “مي خديجة” التي تجاوزت السبعين من عمرها قصة مأساوية مستمرة. فقدت ابنتها وأختها وعدداً من أقاربها بسبب الزلزال، وتقطن وحدها في خيمة بلاستيكية، مع وجود شبه غرفة صنعها محسنون من الخشب لتحميها، وشبه مطبخ تعد فيه العجوز ما تطفئ به جوعها.
تتردد دموع مي خديجة على وجنتيها المتجعدتين وهي تقول: “لا زلت أخاف من هزات الأرض… بقيت وحدي… أنا حائرة لا أدري ما أفعل.” كلمات معدودة ترددها بألم، بينما يراقبها ابنها المطلق الذي يزورها بين الفينة والأخرى، خصوصاً يوم السوق، ليحضر لها بعض الخضر والحليب وغيرها من المواد الأساسية.
لم تستفد مي خديجة من الدعم لأنها غير مسجلة في “السيستيم” – هذا هو المبرر الذي قدمه لها المسؤولون. قالوا لها إن “المقدم” هو من أفاد بأنها لا تقطن هناك، رغم أن جميع سكان الدوار يشهدون أنها تقطن معهم منذ سنوات طويلة، بل إنها ولدت في الدوار.
إبراهيم.. الهروب إلى المرح
إبراهيم قصة أخرى تلفت الانتباه. ترى فيه فرحاً غير مفهوم، لكن بعد معرفة تفاصيل حكايته تكتشف بأنه نوع من الهروب من الحزن والمأساة. لقد فقد والده وأمه وشقيقه في الزلزال، وأصبح وحيداً في خيمة بلاستيكية يقول وهو يمزح: “هذه الفيلا ديالي”. يطلب من الجميع أن يدخلوا ليشاهدوا “الفيلا البلاستيكية”، وهو يتباهى بأنه من بناها وزينها.
لم يتجاوز إبراهيم العشرين من عمره، لكنه يحمل على عاتقه همّاً كبيراً. لا يزال له شقيق وشقيقة لكنهما لا يتواجدان في الدوار. وحده استفاد من الدعم وتحصل على 20 ألف درهم الأولى، بنى بها الأساس وينتظر باقي المبلغ لاستكمال البناء.
لكنه يصرخ قائلاً: “يمكنكم أن تروا المنزل الذي بجانبي والذي لم يستطع صاحبه أن يكمله… نعم هكذا سيكون منزلي أيضاً، لا يمكنك بناء منزل بـ80 ألف درهم… إنهم يسخرون منا.”
“المخيمات البلاستيكية”.. معاناة لا تنتهي
“سنتان من المعاناة النفسية والاقتصادية والاجتماعية. في الشتاء نعاني من البرد القارص والأمطار الغزيرة، وخلال الصيف درجة الحرارة المرتفعة تحول الخيم البلاستيكية إلى أفران”، تقول امرأة تضع الخمار على وجهها، وهي تتحدث إلينا.
تضيف أنها تشتغل خياطة، ترقع سراويل وملابس “ناس الدوار” مقابل بعض الدراهم. وتتهم بعض المسؤولين عن توزيع المساعدات بـ”المحسوبية”، مشيرة إلى أن رئيس جمعية محلية يختار من بين السكان من يستفيد من المعونة، حتى أن الدعم الخاص بالماشية لم يستفد منه الجميع.
الدعم والمساواة.. أسئلة معلقة؟
يؤكد ضحايا زلزال الحوز أن الدعم لم يوزع بالعدل كما أمر الملك محمد السادس. يشيرون إلى تجاوزات حصلت في التعامل مع هذا الملف الذي مرت عليه سنتان دون حلول تنهي المعاناة، صحيح أن جهود السلطات متواصلة في كل مكان، لكن الأمر بالنسبة للمتضررين لا يتحمل التأخير لعام آخر.
من الملاحظ أن هناك فئة تتشكل داخل المتضررين من الزلزال، هم أولئك الذين لم يستطيعوا إكمال بناء منازلهم، ولا يزالون يفترشون الأرض وسط الخيام البلاستيكية. مشهد يعكس فشل سياسات إعادة الإعمار في تحقيق أهدافها كاملة، ويطرح تساؤلات حول مصير هؤلاء المتضررين في ظل تقلبات الطقس وقسوة الطبيعة في منطقة جبلية معزولة.