غار تافوغالت / تصوير عبد الجليل بوزوگار – المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث
مدة القراءة: 5′
تواجه الحبارى الكبرى (Otis tarda) تهديدا عالميا بالانقراض، وهي تختلف وراثيا عن الحبارى الإيبيرية، وتعتبر نوعا متوطنا في المغرب منذ حوالي 14,700 سنة. وقد كشفت دراسة حديثة عن أدلة جديدة حول وجود هذه الطيور، متعلقة بأساليب الحياة آنذاك، وذلك من خلال حفريات تم اكتشافها في كهف تافوغالت بمنطقة بني سنوس (الجهة الشرقية). تؤكد هذه الاكتشافات ليس فقط وجود الحبارى الكبرى منذ أواخر العصر الجليدي (البليستوسين الأعلى)، بل أيضا استغلالها من قبل البشر لأغراض غذائية وطقوسية.
نشرت الدراسة في 18 مارس في المجلة الدولية لعلوم الطيور، مما يعزز أهمية الحبارى الكبرى في المغرب، وقد يساهم في دفع جهود الحفاظ عليها. وتشير التوقعات إلى إمكانية انقراضها بحلول عام 2026، إلا أن هذه الاكتشافات توفر أملا لزيادة الوعي بأهمية حمايتها. حاليًا، يوجد بين 72 و78 طائرًا من هذا النوع في المغرب، متركزين في منطقة طنجة والسهول الفيضية المجاورة، مما يجعلها آخر مجموعة متبقية في إفريقيا.
كشفت عمليات التنقيب في تافوغالت عن رؤى تاريخية وعلمية مهمة حول وجود هذا النوع. وضمن هذا الموقع، تم العثور على أكثر من 150 بقايا طيور تمثل ما لا يقل عن 14 نوعًا مختلفًا، والتي تم استردادها من إحدى المناطق المدروسة (القطاع 10) بين عامي 2005 و2022. وقد تم تحليل هذه البقايا حتى عام 2022، وهي تتألف في الغالب من اكتشافات فردية تم تسجيلها في الموقع خلال الحفريات.
تم تسليم الجزء الأول من هذه الاكتشافات من قبل المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث في الرباط لتحليلها في المملكة المتحدة، حيث تم إجراء مقارنات مباشرة مع مجموعات عظمية محفوظة في المتاحف، إلى جانب بيانات تكميلية تم الحصول عليها في النمسا.
معلومات غير مسبوقة عن استخدام البشر للحبارى الكبرى
تمت مقارنة بقايا الحبارى المكتشفة في كهف تافوغالت، المعروف بـ “كهف الحمام”، مباشرةً مع عينات عظمية من عدة أنواع من الحبارى:
تم تأريخ أربع عينات من هذه الاكتشافات بواسطة وحدة مسرّع التأريخ بالكربون المشع في أكسفورد، وذلك باستخدام عظام أفراد مميزين وبقايا وجدت في منطقتين جنائزيتين بشريتين منفصلتين.
تكشف دراسة تجمع العظام في موقع تافوغالت لأول مرة أن الحبارى الكبرى كانت تتكاثر في المنطقة منذ حوالي 14,700 سنة، أي على بعد حوالي 300 كيلومتر شرق نطاقها الحالي في المغرب. وتدعم الدراسة الفكرة القائلة بأن هذا النوع استوطن المغرب منذ آلاف السنين، حيث كان يفضل السهول المفتوحة والمناطق العشبية، وربما نجا في ملجأ جليدي جنوب غرب شبه الجزيرة الإيبيرية، مما يشير إلى أن نطاق توزيعه تحرك جنوبًا استجابةً للتغيرات البيئية، كما حدث للعديد من الطيور الأخرى في المنطقة البالياركتية.
يشير الباحثون إلى أن العدد الكبير من العظام ووجودها الحصري تقريبًا في المنطقة الجنائزية في الكهف يدل على أن الحبارى الكبرى كان لها أهمية ثقافية بين سكان تافوغالت، وليس فقط قيمة غذائية.
وصفوا وجود أجزاء كبيرة من هذه الطيور، التي تم تقطيعها بشكل ملحوظ وتركها في القبور والمناطق المحيطة بها، مما يشير إلى أنها كانت جزءًا من وليمة جنائزية. كما وجدوا عظمة القص الرئيسية المقطوعة موضوعة بالقرب من قدمي ورجلي رجل بالغ، مما يشير إلى مشاركة الأحياء للأطعمة القيمة مع الموتى.
لم تتأثر هذه الوضعية بأي دفن لاحق، مما يوضح أنها كانت تقديمًا متعمدًا لعرض غذائي غني بالبروتين داخل القبر، في حين أن عضد الطائر المكسور يظهر أنه تم استهلاكه أيضًا خلال الطقوس. وبهذا، يشير الباحثون إلى أنشطة صيد وتنظيم مرتبطة باستهلاك الحبارى الكبرى في هذه المناسبات في سياق طقوسي.
إعادة إحياء الجدل حول الحفاظ على الحبارى الكبرى
تؤكد الدراسة أن التدهور الحالي لأنواع الحبارى يرتبط بشكل وثيق بالأنشطة البشرية، مثل الصيد الجائر، مما يعرض 58% من 26 نوعًا من الحبارى لخطر الانقراض. وتذكر الدراسة أن الحبارى الكبرى مدرجة ضمن الأنواع المهددة في القائمة الحمراء للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN)، وهي على وشك الانقراض في المغرب.
Great bustardالحباري الكبير
منذ 150 عامًا، كانت حبارى كنبترية (Tetrax tetrax) أكثر انتشارًا في المغرب، لكنها الآن على وشك الاختفاء أيضًا. وبالإضافة إلى ذلك، فإن السلالة المتوطنة من الحبارى العربية في شمال غرب إفريقيا انقرضت خلال القرن الماضي، بسبب الصيد المفرط، والاضطرابات البيئية، وتدمير الموائل الطبيعية، والذي تفاقم مؤخرًا بسبب تمدد البنية التحتية الكهربائية.
تشير الدراسة إلى أن الاكتشافات في تافوغالت تشكل دليلًا واضحًا على استغلال البشر للحبارى الكبرى منذ آلاف السنين، مما يوفر أقدم دليل على هذا النوع من الاستغلال.
أما فيما يتعلق بجهود الحفظ، فقد شدد الباحثون على أن إحدى استراتيجيات خطة العمل الوطنية دعت إلى تعزيز الوعي المجتمعي وتعميق الالتزام بالحفاظ على الأنواع، من خلال إبراز أهميتها الثقافية.
ويرى الباحثون أن التوعية والمشاركة على المستويين المحلي والوطني لعبتا دورًا حاسمًا في الحفاظ على مستعمرات تكاثر أنواع أخرى مهددة، مثل أبو منجل الأصلع الشمالي (Geronticus eremita) في المغرب. كما يأملون في أن تحظى الاكتشافات في كهف تافوغالت باهتمام واسع، مما يساعد في نشر المعرفة حول الحبارى الكبرى وتحفيز المواطنين لدعم جهود الحفاظ عليها.