DR
مدة القراءة: 6′
أصبحت المحارات المزروعة محليًا جزءًا أساسيًا من موائد عشاء عيد الميلاد ورأس السنة الجديدة في المغرب، سواء للمغاربة أو السياح. يمكن الاستمتاع بها بأشكال مختلفة: نيئة مع رشة ليمون، مشوية، مطهية، محمرة، أو حتى في طاجين. تُزرع هذه الرخويات اللذيذة على طول الساحل الأطلسي المغربي.
تتميز منطقتان في المغرب بزراعة المحار: الواليدية، المنطقة الساحلية الواقعة على الساحل الأطلسي في جهة الدار البيضاء-سطات، والداخلة، شبه الجزيرة الضيقة التي تقع جنوب العيون في أقصى جنوب المغرب.
تفتخر الداخلة بإنتاج 80% من المحار الوطني، مما أكسبها لقب “عاصمة المحار الإفريقية” وفقًا للمكتب الوطني المغربي للسياحة. أما بحيرة الواليدية، فتُعد واحدة من أبرز مناطق إنتاج المحار في المغرب، حيث تضم سبعة أحواض مخصصة لهذا الغرض، بإنتاج سنوي يصل إلى 37 طنًا.
لا شك أن الأذواق تختلف، لكن بالنسبة لعشاق محار الداخلة، يتميز خليج المدينة بوفرة إنتاجه.. وفي حديثه لموقع “يابلادي”، أشار أحمد كيدة، وهو رجل أعمال وعضو في غرفة الصيد البحري، كما يُعدّ من أوائل مزارعي الرخويات في الداخلة إلى النمو الكبير في الطلب على المحار المحلي في الآونة الأخيرة، خاصة خلال موسم الأعياد ورأس السنة.
أضاف “أصبح الطلب على محار الداخلة ظاهرة مستمرة طوال العام، خاصة في العامين الماضيين، 2023 و2024. صحيح أن المنتجين وأصحاب المطاعم يتحضرون لمواسم الأعياد، مثل ليلة رأس السنة وعشية عيد الميلاد، إلا أن الطلب على المحار يظل ثابتًا طوال السنة”.
يمتلك أحمد كيدة ثلاث مزارع للرخويات في الداخلة، ويتذكر كيف شهدت المنطقة زيادة ملحوظة في الإنتاج خلال السنوات الأخيرة. ويقول: “في الماضي، كانت هناك شركات قليلة فقط مسؤولة عن تلبية الطلب على المحار، وغالبًا ما كانت تواجه صعوبة في ذلك.” أما الآن، ومع تزايد عدد الشركات ومزارع المحار، وأوضح أن “الطلب المتزايد أصبح أكثر سهولة في الإدارة”.
بصفته مالك مطعم “طلحة مار”، حيث يقدم ما يحصده من إنتاج مزارعه، كان أحمد كيدة من أوائل الأشخاص الذين بدأوا إنتاج المحار وبيعه في منطقة الداخلة. أطلق أول مزرعة له للمحار في عام 2007، لكنه واجه صعوبة في بيع إنتاجه في البداية.
يتذكر كيدة قائلاً: “في البداية، لم أتمكن من العثور على مشترين لمنتجاتي، لذا قررت بيعها بنفسي – طهي المحار، وبيعه مشويًا أو في الطاجين، وتعريف الناس به.” ومع تطور عمله، زاد الإقبال على المحار، وظل هذا الاتجاه في ازدياد منذ ذلك الحين.
وأضاف كيدة أنه يحلم بتوسيع نشاطه وتصدير إنتاجه إلى مناطق أخرى من المغرب، مشيرًا إلى أنه ينتج ما معدله 120 طنًا من المحار سنويًا ويوفر فرص عمل مباشرة لـ 35 شخصًا بين مزارعه ومطعمه.
وأشار كيدة أيضًا إلى أنه “بالإضافة إلى ذلك، أخلق وظائف غير مباشرة، خاصة في قطاع المطاعم، مثل توظيف النساء اللواتي يعملن من المنزل، حيث يتولين مهام تقشير الثوم، وتحضير الصلصات، وطحن الأعشاب.”
محار معقم لإنتاج أفضل
تعتبر الداخلة من أفضل الأماكن في المغرب لزراعة المحار، وفقًا للمكتب الوطني المغربي للسياحة، الذي يشير إلى أن خليج الداخلة “مناسب بشكل خاص لتطوير المحار”. فمياه البحر الغنية بالفيوتكوبلانكتون، الذي يعد الغذاء الرئيسي للمحار، تساعد هذه الكائنات البحرية على الازدهار.
وأوضح كيدة قائلًا: “في الداخلة، على عكس باقي أنحاء البلاد، يمكن استهلاك المحار طوال العام. نحن نزرع نوعًا خاصًا يُسمى المحار ثلاثي الصبغيات.” هذه الأنواع من المحار تحتوي على ثلاثة مجموعات من الكروموسومات وهي معقمة، مما يجعلها تنمو وتسمّن بسهولة.
أضاف كيدة قائلاً: “المحار ثلاثي الصبغيات معقم لأن السائل ‘الحليبي’، الذي يخرج من المحار أثناء التزاوج، يمكن أن يتسرب ويؤدي إلى تلف الإنتاج، مما يجعله غير صالح للاستهلاك.” (ويُقصد بـ “السائل الحليبي” المادة التي يفرزها المحار في عملية التزاوج، وهي ليست حليبًا كما في الثدييات).
ومع ذلك، هناك بعض الاستثناءات. قد يتوقف الإنتاج بسبب مراقبة السلطات المعنية، مثل المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية. وأوضح كيدة: “يحدث ذلك عندما تهطل الأمطار، إذ يمكن أن تضر الميكروبات التي تجلبها الأمطار المحار.”
وأضاف كيدة: “وأحيانًا، عندما لا تكون هناك رياح ويكون الجو مشمسًا جدًا، يمكن أن تتجمع الكائنات المجهرية (الفيوتكوبلانكتون)، وهي الكائنات التي تحملها المد والجزر ولا يمكنها السباحة بشكل جيد بما يكفي لمقاومة هذه القوى، فتبدأ في التكاثر. وهذا قد يؤدي إلى تجاوز الكمية المناسبة في المياه، مما يصبح ضارًا للمحار. وتسمى هذه الظاهرة بـ ‘الموجة الحمراء’.”
وعند المقارنة مع منافسيهم في الواليدية، يستفيد محار الداخلة من وفرة الشمس. وقال كيدة: “منطقتنا أكثر إشراقًا، مما يساعد المحار على النمو بشكل أسرع وأكبر.” على عكس الواليدية، حيث يستغرق المحار وقتًا أطول للنمو، قد يصل إلى عام وتسعة أشهر، بينما في الداخلة، ينمو المحار ويصل إلى حجم السوق في تسعة أشهر فقط.
ويعتبر التجفيف أيضًا خطوة أساسية في إنتاج المحار، حيث يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا في الطعم. وأوضح كيدة قائلاً: “المزارعون يجففون المحار تحت الشمس بشكل جيد، مما يساعد في تكثيف القشرة والعضلات في هذه المحارات، مما يجعلها أكثر لذة وحلاوة.”
مياه باردة لأفضل طعم للمحار
أما في الواليدية، فإن الطقس البارد هو الذي يساعد المحار على الازدهار. وقال هشام رحاب، من مطعم فندق ” فرس البحر” في الواليدية وأحد الخبراء في الرخويات، لموقع “يابلادي”: “في الواليدية، المياه باردة، مما يعزز الجودة وفوائد الزراعة.”
وأضاف رحاب: “تبدأ محارات الصغار، التي تكون بحجم العدس، في الداخلة. وعندما تكبر قليلاً وتصبح أقل هشاشة، يتم نقلها إلى الواليدية.” وأشار إلى أنه “يمكننا القول بأن زراعة المحار موزعة بين الداخلة والواليدية.”
تظل الواليدية هي المركز الشمالي للمحار في المغرب، حيث يأتي معظم الزوار إلى القرية لتذوق المأكولات البحرية المحلية، وخاصة المحار. خلال عشاء عيد الميلاد أو ليلة رأس السنة، يُطلب هذا الطبق ويُفضل من قبل الكثيرين. وقال رحاب: “في مطعمنا، يفضل الزبائن تناول المحار النيء، ولكن أحيانًا يرغب البعض في تناوله محمصًا.”
حاليًا، يقدم مطعم رحاب ست محارات محمصة مقابل 120 درهمًا، بينما تباع ست محارات نيئة مقابل 100 درهم. وبغض النظر عن موسم الأعياد، يظل المحار خيارًا مفضلًا لزوار الواليدية. وقال رحاب: “في عطلات نهاية الأسبوع، نرى العديد من الناس يأتون لقضاء اليوم في الواليدية، خاصة الآن بعد أن أصبح لدينا الطريق السريع الدار البيضاء-الجديدة وطريق الدار البيضاء-آسفي.”
أما لعشاق المحار، فيجب أن يعلموا أن الواليدية تحتفل بمهرجان خاص لهذه الكائنات البحرية. إذا كنت تخطط لزيارة الواليدية في الصيف، يجب أن تعلم أن مهرجان المحار يُقام كل عام في يوليوز أو غشت. يتضمن المهرجان، بالإضافة إلى الترويج لتربية الأحياء المائية وزراعة المحار، فعاليات مسائية من الرقص والغناء الشعبي، حسب ما ذكره المكتب الوطني المغربي للسياحة.
وإذا كنت متجهًا نحو الجنوب، يمكنك زيارة مزارع المحار في الداخلة، حيث يتم إنتاجه. هناك، يمكنك الاستمتاع بمحار طازج تم حصاده مباشرة في الحديقة، مع قدميك في الماء.