وجهت حركة “ضمير” جملة من الانتقادات اللاذعة إلى مختلف مكونات الطبقة السياسية المغربية راصدة “اختراق الفساد وانتهاكات القانون لها”، وتشاطرها “الضعف والعجز” في التعامل مع “تطورات مقلقة” تهم هذا الواقع وكذا محاولة “الهجرة الجماعية المعلنة”، منادية بنموذج سياسي جديد يعيد بناء جسر الثقة بين المؤسسات والمواطن المغربي، لا سيما أنه “من المستبعد أن يؤدي التعديل الحكومي إلى الخروج من دوامة التقهقر السياسي” في منظور الحركة المدنية.
“عجز وضعف”
وفي رسالة إلى الرأي العام، توصلت جريدة هسبريس الإلكترونية بنسخة منها، نبهت “ضمير” إلى “الضعف السياسي في طبقتنا السياسية عموما والإخفاقات الواضحة لمجلس النواب ومجلس المستشارين اللذين أصبحا مجرد مسجل ومردد لقرارات الحكومة، وعجز أحزاب المعارضة – أحزاب الحكومة سابقا بالنتائج التي نعرفها – عن تشكيل بديل فعلي للأغلبية القائمة”، مؤكدة أنها “لا يمكن أن تبقى مكتوفة الأيدي وغائبة عن التفاعل إزاء كل هذه التطورات المقلقة”.
من هذا المنطلق، أدانت الحركة المدنية ذاتها “بأشد العبارات حالات الفساد المتعددة واختلاس المال العام والاحتيال وتضارب المصالح والصفقات العمومية المشبوهة وحالات الإثراء السريع المريبة، والترامي على أملاك دون موجب حق، استغلالا للنفوذ المكتسب من مواقع المسؤولية، وشبهات محاولات التأثير والضغط على منتخبين نزهاء”.
وأضاف المصدر ذاته أنه يندرج أيضا ضمن “أشكال انتهاك القانون والأخلاقيات التي تخترق الطبقة السياسية وتضع فاعلين في التحالف الحكومي محط مساءلة أخلاقية، على المعنيين بها توضيح ملابساتها للرأي العام دفاعا عن الشرف: تسرب متابعين في تجارة المخدرات إلى المسؤولية الحزبية والسياسية، وإيقاف أحد أعضاء الأمانة العامة الجماعية لحزب حاكم، ومحاولة السطو على أراض جماعية، وتعدد حالات التجريد من المسؤولية الانتخابية في حق العديد من منتخبي التحالف الحكومي (31 برلمانيا ينتمون إلى التحالف الحاكم من ضمن 42 برلمانيا)، الخ”.
“الفنيدق .. والمحيط”
في إطار تشخيصها دائما “للتطورات المقلقة” بالمغرب، وعلاقة بأحداث الفنيدق الأخيرة تحديدا، عبرت حركة “ضمير” عن شعورها بالصدمة إزاء الصور المتداولة “لأعداد غفيرة من أجيالنا اليافعة والشابة وهي تحاول مغادرة بلدها عن طريق الهجرة الجماعية المعلنة، وأحيانا على حساب حياتهم، وذلك بشكل مؤلم وجارح وغير مسبوق”، منتقدة “الصمت المطبق للحكومة، التي أصيبت بالشلل بسبب عجزها عن بلورة خطاب متماسك بعد المشهد المدمر الذي قدمه للعالم مئات وآلاف الشباب الذين يحاولون عبور الحدود سباحة أو سيرا على الأقدام”.
مواصلة دائما لفت الانتباه إلى “مسؤولية” الحكومة ضمن هذه الأحداث، لفتت الحركة المدنية ذاتها إلى “عجزها عن التعامل مع ظاهرة الشباب الذين لا يجدون عملا ولا تعليما ولا تدريبا والذين يبلغ عددهم ما يقارب أربعة ملايين ونصف المليون يافع وشاب مغربي تتراوح أعمارهم بين 15 و34 عاما”.
وحرص المصدر ذاته على لفت انتباه المواطنين بدوره إلى مسؤوليتهم ضمن تطور “مقلق” آخر أدى لهذه الرسالة، يتعلق بالانتخابات التشريعية الجزئية الأخيرة؛ “حيث تدفقت الأموال مرة أخرى وحطمت نسبة العزوف عن التصويت كل الأرقام القياسية (كمثال نسبة المشاركة 6.5 في المائة في دائرة الرباط – المحيط)”، موضحة أن “طريقتهم في التعبير عن انعدام الثقة والغضب المشروع من خلال عدم اكتراثهم بالاستحقاقات الانتخابية هي طريقة غير مناسبة؛ بل خطيرة، لأنها تترك الطريق سالكة أمام البلطجة الانتخابية، وترهن مستقبل أبنائنا في نهاية المطاف”.
“نموذج جديد”
استبعدت حركة “ضمير” أن يؤدي التعديل الحكومي إلى “حلحلة الأوضاع المقلقة” سالفة الذكر، موردة أنه إذ يراهن البعض على هذا التعديل “في محاولة للهروب من الدوامة الجهنمية للتقهقر السياسي الذي يتجلى أمام أعيننا، فإننا نعتبر – على غرار العديدين من مواطنينا – بأن هذا الحل سيكون بلا جدوى”، لافتة إلى أنه “سوف يماثل وضع ضمادة على ساق خشبية”.
وعوضا عن التعديل الحكومي، اقترحت الحركة المدنية ذاتها وضع نموذج سياسي جديد من طرف الدولة، “كمبادرة نوعية تسمح لها بتعزيز الروابط بين المغاربة وباستعادة ثقتهم في المؤسسات،” مؤكدة أنها “ملتزمة بالمشاركة في أية دينامية صحية تجيب على انتظارات مواطنينا، وأن نشاطها سوف يتمحور اليوم حول العمل على بلورة نموذج سياسي جديد؛ وهو شرط لا غنى عنه للتطبيق الأمين والمخلص لمقتضيات الدستور ولتوصيات النموذج التنموي الجديد”.
وضمن بسطها لمقترحها أوردت الحركة أن هذا النموذج “سيتم تصوره في إطار المرجعية الدستورية واحترام ثوابت الأمة، وسيتخذ شكل مقترحات تشريعية وآليات عمل وهياكل تهدف إلى تحديث عمل الأحزاب السياسية، وتنظيم ديمقراطيتها الداخلية، وضمان شفافيتها المالية، وتسقيف نفقاتها الانتخابية، وفرض عقوبات جنائية على استعمال المال في الانتخابات، ومحاربة تضارب المصالح وحالات التنافي، وتخليق الحياة العامة وضمان استقلالية الأحزاب السياسية عن كل تدخل”، موضحة أن كل هذه الاجراءات تروم تثبيت دور الأحزاب السياسية ضمن الفضاء العام كما ضمن المؤسسات.
وشددت الحركة المدنية ذاتها على ضرورة تحمل الطبقة السياسية “كل مستويات المسؤولية في ظل السياقات المضطربة في العالم”، مبرزة أن هذه الطبقة مطالبة “ليس فقط باستحضار واجبها في تنفيذ السياسات العمومية التي تدخل ضمن مسؤولياتها الدستورية؛ بل مسؤوليتها التاريخية كذلك في توفير شروط التضامن الوطني وتراص الصفوف داخل الوطن كما مع مغاربة العالم، في مواجهة كل الاحتمالات الممكنة”. كما يتعين عليها القيام “بخطوات دالة وفعلية في مجال العدالة الاجتماعية والمجالية، بدءا بانتشال الفئات المحرومة من براثن الفقر والضياع وفقدان الأمل”.
وطالبت “ضمير” الطبقة السياسية بتقديم “المثال في سلوكها بإشارات جلية واضحة أمام أعين الشعب، تتمثل في التخليق الفعلي للحياة السياسية والمحاربة الصارمة لهدر المال العام والاثراء غير المشروع، كما في خفض النفقات العمومية غير الضرورية والتقشف المعقلن”، موجهة في هذا السياق تحذيرها إلى المسؤولين السياسيين من الاعتقاد “بأن الفترة المقبلة في العالم ستكون، كما الفترات السابقة، ضامنة لمستوى حد أدنى من الاستقرار في المعمور بكل مناطق التوتر فيه”.