الإثنين, مارس 3, 2025
Google search engine
الرئيسيةالشامل المغربيضرورة تجديد التراث العربي – لكم-lakome2

ضرورة تجديد التراث العربي – لكم-lakome2


لكل أمة أو شعب تراثه الذي انتهى إليه من خبراته التاريخية في علاقته بالمحيط الذي يعيش فيه. وكما يمكننا الحديث عن تراث غني ومتنوع لدى بعض الشعوب نتحدث عن تراث بسيط ومحدود لدى بعضها الآخر. ونظرا لتعدد التراث العربي وتنوعه يمكننا التمييز بين تراث خاص، وآخر عام. فالخاص ما اتصل باستقلالات الدول العربية عن بعضها، وهو جزء لا يتجزأ من التراث العربي العام الذي ظل مشتركا ومتواصلا إلى نهاية القرن التاسع عشر. وبسبب التحولات التي عرفتها الشعوب العربية مع تراثها، والإكراهات التي حالت دون التعامل معه دون مواقف متضادة، بل ومتشنجة، نرى أن المقصود بالتجديد هنا يتمثل من جهة في إعادة قراءته قراءة موضوعية، ودون مسبقات جاهزة. ومن جهة ثانية تطوير ما يتصل بأداءاته المختلفة ليكون عصريا مع الحفاظ على روحه الفنية أو الحرفية. لطالما طرحت مسألة تجديد التراث، وضرورة تطويره في زماننا، لكننا نعاين أن ما قدم من تصورات تجديدية، ظلت محكومة بالسياقات التي ظهرت فيها، وبالأجوبة القبلية التي كان يحملها أصحابها، والتي حاولوا تطبيقها في قراءاتهم الذاتية.

آراء أخرى

تواجه التراث العربي في واقعنا الحالي إكراهات ومواقف بدأت في التشكل منذ الاحتكاك بالغرب، الذي أدى إلى الوقوف على تراث آخر (الغرب) الذي له زمنيته الخاصة، والذي نجم عنه الإدراك بتمايز الذات عن الآخر، فكان أن برز موقفان متضادان. يرى الأول ضرورة استرجاع التراث العربي (أسميه الاستعراب)، وجعله في مواجهة تراث الآخر. بينما يرى الثاني إمكانية استحضار تراث الغرب وجعله مقدمة للتطور، عبر القطيعة مع التراث الذي اعتبر متجاوزا، ولا علاقة له بالعصر (أسميه الاستغراب).

هذان الموقفان على ما بينهما من تعارض وتضاد، كانت علاقتهما بالتراث العربي مشتركة. لقد ظلت الرؤية التي تتحكم فيهما مبنية على التجزيء والتجنيس. وبذلك كانت الرؤيتان اختزاليتين وناقصتين، واختلافهما ظاهري فقط. يبدو لنا التجزيء في كون الموقف الاستعرابي يرى في التراث العربي ما هو قابل للتعامل معه، وما هو قابل للإعراض عنه وتناسيه. وكانت صورة العصر الراشدي النموذج الذي يجب أن يحتذى، ويستحضر لبناء مجتمع جديد يتجاوز فترات الضعف والوهن التي اعترت الأمة العربية ـ الإسلامية بابتعادها عن روح التراث التي اختزلت في تلك الفترة من الزمن.

أما الموقف الاستغرابي من التراث فينطلق من رؤية مختلفة، بذهابه إلى ضرورة الاستفادة من الغرب في التعامل مع التراث. نأى بنفسه عن التصورات المناقضة لِما ركز عليه أصحاب الموقف الأول، فرأى في التراث العربي ما وجده في تراث الغرب، في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، فإذا في تراث العرب ما في تراث الغرب من ملاحم وأساطير وفنون وما شابه ذلك مما كان يقدم في الدراسات الاستشراقية، على أنه دليل على ضعف الخيال في التراث العربي. ومنذ أواخر الستينيات وخلال السبعينيات ظهرت محاولات أخرى لتجديد التراث العربي، تنطلق من الرؤية عينها، والمتمثلة في حضور العقل الذي ظل الغرب ينفي وجوده في التراث العربي. فكان استكشاف الاتجاهات المادية والعقلية. إن القراءات الاستعرابية والاستغرابية تختزل التراث في ما تراه يشكل الموقف الذي تراه مدخلا للتقدم، وهي بذلك تلغي شموليته التي تحققت من خلال تفاعل مبدعي هذا التراث ومفكريه في ما بينهم في مختلف مراحل تطوره، فإذا نحن أمام تصورين يرى كل منهما في التراث ما هو ممدوح ومذموم. أما التجنيس فهو صورة أخرى، أو وجه آخر للتجزيء.

فشمولية التراث العربي الذي تحقق في جغرافيا واسعة وموحدة (التراث العام) سيتم تجنيسها حسب الأقطار التي شكل الاستعمار حدودها (التراث الخاص)، فصار مثقفو كل قطر يقتسمون تركة التراث حسب أقطارهم. فإذا باليوسي أمازيغي، وابن خلدون تونسي، والمتنبي عراقي، والمعري سوري، والهمذاني فارسي. وكما يفعل الورثة صار يعتبر كل ما انتهى إلى أي منهم، بسبب جغرافيا استعمارية، ملكا لها دون غيره. وما قلناه عن الثقافة العالمة، ينسحب على الثقافة الشعبية في بعدها العربي القديم، أو القطري الذي لا يتعدى بضعة قرون قليلة. يتوحد الموقفان في الجوهر، وإن اختلفا في العرَض. إنهما لا تاريخيان ولا واقعيان. لا تاريخيان لأنهما ينطلقان من التراث خارج سياقه الذي تحقق فيه، والذي ساهمت في كل مكونات الدول العربية الحديثة قبل تشكلها. لقد كان ابن بطوطة وابن خلدون يمارسان حياتهما: رحالة، أو باحثا وسياسيا في رقعة واسعة لا تحدها الحدود الثقافية أو السياسية. وحياة كل من ساهم في التراث العربي دالة على ذلك. التنقل بين الممالك يؤكد التفاعل والاشتراك في الإسهام في تراث كلي وشمولي، هو التراث العربي، وكل واحد منهم يشتغل في نطاق المرجعية الثقافية عينها.

إن الموقفين إلى جانب ذلك غير واقعيين، لأن ما يجمع بين شعوب المنطقة العربية هو أكثر مما يفرق بينها ثقافيا ولغويا، رغم الاختلافات القديمة والحديثة، والتي تعطي لكل منهما خصوصية لا تلغي الخصائص العامة المشتركة. لكل ذلك أعتبر الاستغراب والاستعراب وجهين لعملة واحدة، وأن أسطورة الأصالة والمعاصرة، وما يتصل بكل منها من نزعات دينية أو عقلانية لا أساس لها. إن الرؤية الشمولية للتراث العربي، في بعده العام، والخاص يتطلب منا قراءة موضوعية بلا حساسيات أيديولوجية، تتجاوز التجزيء والتجنيس لأن ذلك يسهم فعلا في تجديد تعاملنا مع التراث العربي في صيرورته وتحولاته.



Source link

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات