في مشهد سياسي ساخن يعكس تفاعلات حيوية داخل البرلمان المغربي، أثارت تعديلات تقدم بها نواب من المعارضة والأغلبية ونواب مستقلون جدلاً واسعاً حول مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15، الذي يحدد شروط وكيفيات ممارسة الحق في الإضراب.
النقاش، الذي استمر لساعات داخل لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، لم يكن مجرد اختلاف في وجهات النظر، بل تحول إلى معركة دستورية حول مدى شرعية تضمين ديباجة أو تصدير في القوانين التنظيمية.
الحكومة، ممثلة بوزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري، أبدت تحفظاً شديداً على مقترح إضافة ديباجة للمشروع، مستندة إلى قرارات سابقة للمحكمة الدستورية، التي رأت أن القوانين التنظيمية تستمد شرعيتها مباشرة من الدستور، ما يجعل تضمين ديباجة أو تصدير أمراً محفوفاً بالمخاطر القانونية.
وأكد الوزير أن المحكمة قد ترفض المشروع كلياً في حال إصرار النواب على إدراج الديباجة، مشيراً إلى أن “الأمر ليس مجرد خيار شكلي، بل هو التزام قانوني”.
من جهة أخرى، دافعت الفرق البرلمانية المطالبة بالديباجة عن وجهة نظرها بحماس، معتبرة أن هذا التقديم سيمنح المشروع بعداً أعمق، حيث يربط القانون بالمرجعيات الوطنية والدولية مثل المواثيق الدولية والخطب الملكية والدستور المغربي.
إلا أن هذا الطرح اصطدم بموقف الحكومة الرافض لأي تعديل قد يهدد دستورية القانون.
النقاش الحاد الذي شهدته الجلسة لم يخلُ من محاولات للوساطة. في النهاية، توصلت اللجنة إلى صيغة توافقية قدمها الوزير السكوري، حظيت بإجماع الحاضرين.
هذه الصيغة تضمنت الإشارة إلى مضامين التعديلات المقترحة ضمن المادة الأولى من المشروع، دون أن توصف بأنها ديباجة.
النص المعدل أكد أن “حق الإضراب مضمون ويمارس وفق أحكام هذا القانون التنظيمي، ويعد باطلاً كل تنازل عنه”، مع التشديد على “تعزيز الحريات وتكريس العدالة الاجتماعية والسلم الاجتماعي”.
هذا التوافق الذي تم التوصل إليه لم ينهِ النقاش حول القوانين التنظيمية فحسب، بل قدم نموذجاً لكيفية إدارة الخلافات في البرلمان المغربي.
كما عكس توازن القوى بين الحكومة والبرلمان، حيث أظهرت الحكومة مرونة في التعامل مع مقترحات النواب دون التنازل عن المبادئ الدستورية.
في ظل هذا النقاش، يبقى مشروع قانون الإضراب محطة هامة في مسار التشريع المغربي، ليس فقط لأنه يمس حقاً دستورياً أساسياً، بل لأنه يكشف أيضاً عن تعقيدات العملية التشريعية في التوفيق بين المواثيق الدولية، المرجعيات الوطنية، والأطر الدستورية.
وبانتظار التصويت النهائي على المشروع، تترقب الأوساط النقابية والحقوقية الخطوات المقبلة، التي قد تحدد ملامح ممارسة حق الإضراب في المغرب لعقود قادمة.