طارق أعراب/ صورة: ف. الطرومبتي
في قلب ساحة جامع الفنا، حيث تختلط روائح الأطعمة بأصوات الحكايات الشعبية وقرع الطبول، تطل مشاهد مألوفة تحمل في طياتها واقعًا اجتماعيًا قاسيًا. بين الحشود المتناثرة، ينسل أطفال صغار بأعين حائرة، يحملون ورودًا بلاستيكية أو علبًا صغيرة، يتجولون بين السياح يطلبون دراهم معدودة.
هؤلاء الأطفال، الذين يُطلق عليهم أحيانًا “أطفال السعاية”، أصبحوا جزءًا من المشهد اليومي للساحة، تمامًا مثل الحكاواتيين ومروضي الأفاعي. بالنسبة للسياح، قد يكونون مجرد جزء من الفولكلور الحي، ولكن خلف هذه الصورة تكمن قصة مؤلمة من الفقر، والتشرد، والاستغلال الاقتصادي.
السياحة في مراكش تمثل شريانًا اقتصاديًا حيويًا، لكنها في الوقت نفسه تساهم في ترسيخ ظواهر اجتماعية غير صحية. إذ يجد بعض الأطفال أنفسهم مضطرين لاحتراف التسول أو بيع سلع رمزية، في ظل غياب فرص التعليم والرعاية الاجتماعية المناسبة. كثير منهم يعملون تحت أنظار الكبار الذين يستغلونهم، بينما تغض السلطات الطرف عن هذه المظاهر التي تسيء لصورة المدينة.
ورغم أن حملات متفرقة تحاول الحد من هذه الظاهرة، إلا أن الحلول تظل سطحية، خاصة في ظل ارتفاع نسب الفقر والتفاوت الاجتماعي. بعض الجمعيات الحقوقية تدق ناقوس الخطر، مطالبة بتدخلات جذرية تضمن لهؤلاء الأطفال حقهم في التعليم والحماية.
يتطلب الحد من هذه الظاهرة مقاربة متعددة الأبعاد، تبدأ بإجراءات اجتماعية تستهدف الأسر الفقيرة، وتقديم دعم حقيقي للأطفال المعرضين للتشرد، مع تعزيز المراقبة القانونية لظاهرة استغلال القاصرين في الفضاءات السياحية. كما أن توعية السياح بعدم تشجيع هذه الممارسات يمكن أن يكون خطوة أولى في كسر الحلقة المفرغة للسعاية الطفولية.
صورة اليوم في جامع الفنا، إذن، ليست مجرد مشهد عابر، بل هي شهادة صامتة على معضلة اجتماعية تستوجب اهتمامًا عاجلًا.