يُعدُّ صندوق المقاصة إحدى الركائز الأساسية لدعم المواد الاستهلاكية الأساسية في المغرب، حيث يهدف إلى تخفيف الأعباء المالية على المواطنين عبر تقديم دعم مباشر لمواد حيوية مثل غاز البوتان، السكر، والقمح اللين.
ورغم دوره الاجتماعي المهم، فقد أثار الصندوق جدلاً واسعًا بشأن طرق تدبيره، ومدى شفافية استفادة بعض الخواص من أموال الدعم العمومي، وهو ما دفع عدداً من البرلمانيين إلى التساؤل حول آليات مراقبة هذه العملية.
في هذا السياق، وجّه النائب البرلماني رشيد حموني سؤالًا كتابيًا إلى وزارة الاقتصاد والمالية، سلط فيه الضوء على التكاليف الضخمة التي يستهلكها صندوق المقاصة سنويًا من الميزانية العامة.
وأكد حموني أن الهدف الأساسي من هذه الميزانية يجب أن يكون توجيهها للفئات المستضعفة، مشيرًا إلى أن بعض الشركات الخاصة، خاصة في قطاع المحروقات قبل تحرير الأسعار، كانت تستفيد من الصندوق بطرق غير واضحة، فقط عبر تقديم فواتير دون آليات دقيقة للتحقق من صحتها.
هذه الإشكالية دفعت إلى التساؤل حول مدى متانة المسطرة الحالية لاستفادة الخواص من أموال الدعم، وما إذا كانت هناك وسائل كافية لضمان عدم التلاعب بالمبالغ المخصصة لهذا الغرض.
وفي ردها على هذه التساؤلات، أكدت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح، أن الدولة تعتمد على آليات صارمة للتأكد من صدقية المبالغ المصروفة في إطار صندوق المقاصة.
وأوضحت أن كل مادة مدعمة تخضع لنظام مراقبة خاص، يضمن تتبع الأسعار الدولية، والإنتاج المحلي، والكميات المستوردة، مما يجعل التلاعب بالدعم أمرًا غير ممكن.
كما شددت على أن الحكومة تمتلك وسائل حديثة للتحقق من صحة الوثائق التي يقدمها الفاعلون الاقتصاديون، سواء من خلال صندوق المقاصة أو المكتب الوطني للحبوب والقطاني، لضمان صرف الدعم وفقًا للمعايير المحددة.
وفيما يتعلق بدعم غاز البوتان، أوضحت الوزيرة أن الدولة تعتمد على بيانات من منصات دولية مختصة في تتبع الأسعار، مثل منصة “بلاتس” للسوق الأوروبية و”أوبيس” للسوق الأمريكية، لتحديد القيمة الفعلية للدعم، بغض النظر عن الأسعار الواردة في الفواتير المقدمة من طرف الشركات.
كما تقوم الجمارك الوطنية بمراقبة دقيقة للكميات المستوردة، إلى جانب تتبع المخزون عبر وزارة الطاقة والمعادن، مما يسمح بضبط الاستهلاك بشكل دقيق ومنع أي تجاوزات.
أما فيما يخص مادة السكر، فقد أوضحت الوزيرة أن الدعم يتم عبر آليتين رئيسيتين: الأولى تتعلق بدعم الاستهلاك المحلي، حيث يُطلب من الشركات تقديم تقارير تفصيلية عن مبيعاتها الشهرية وفقًا للضريبة على القيمة المضافة، فيما تتعلق الآلية الثانية بدعم استيراد السكر الخام، لسد العجز في الإنتاج الوطني.
ويتم صرف الدعم بناءً على بيانات إدارة الجمارك، مع الأخذ في الاعتبار الأسعار الدولية للسكر لضمان الشفافية في العملية.
وبالنسبة لدعم القمح اللين، حسب جواب الوزيرة فإنه يتم وفق نظام مزدوج، حيث يتم تقديم دعم مباشر لكمية محددة تقدر بـ6.26 مليون قنطار، يشرف عليها المكتب الوطني للحبوب والقطاني، فيما تُمنح منحة جزافية للمستوردين تساوي الفرق بين السعر المستهدف في السوق المحلية والسعر الفعلي في السوق الدولية، مما يضمن استقرار أسعار الدقيق في الأسواق الوطنية.
ورغم تأكيد الحكومة على وجود آليات محكمة لمراقبة عمليات الدعم، لا يزال الموضوع يثير جدلًا واسعًا، خاصة مع استمرار تساؤلات بعض النواب حول مدى قدرة هذه الآليات على منع استفادة بعض الشركات من المال العام بطرق غير مشروعة.
فبين المطالبة بإصلاح شامل لمنظومة الدعم واعتماد أنظمة استهداف أكثر دقة للفئات المستحقة، يظل النقاش مفتوحًا حول مستقبل صندوق المقاصة، ومدى إمكانية تحقيق التوازن بين دعم القدرة الشرائية للمواطنين وضمان عدالة توزيع أموال الدعم العمومي.