محمد منفلوطي_هبة بريس
بردٌ وصقيعٌ وشح مياه، سنوات متتالية من الجفاف مسّت قلوب العباد حسرة وفقرا وقلة ذات اليد، وما بقي أمام العباد سوى رفع الأكف والتضرع للمولى عز وجل لكي تجود عنا السماء بالعطاء..
هنا بمنطقة الشاوية مطمورة المغرب الفلاحية، حيث كانت الأراضي الخصبة خلال شهر يناير ” الليالي حيّاني” كما يقول الفلاحون الأوائل، ” ماتخرج الليالي حتى تخلي السبولة تلالي”، كناية عن وجود الصابة والغمرة والتبن والمستقبل الفلاحي بحصاده الوفير…
هاهي أراضي الشاوية اليوم، جرداء قاحلة، لازرع فيها ولاماء، لا حقول غناء ولا ألوان زاهية، سوى التربة السوداء تتوسل للمولى عز وجل أن يُحييها ويعيد الأمل من جديد…
صقيع وبرد، وغيوم تتشكل رويدا رويدا وكأنها تحمل البشرى…وقلوب القلوب العباد لدى الجناحر تستغيث الرحيم أن يرحم الصغير قبل الفقير، ويغيث الشجر والحجر قبل البشر
هاهي آبار الشاوية، منها من جفت مياهها، وأراضيها تشققت واشتاقت لسيول المطر، وبهائم ودواب وأنعام شتى انتشرت أرضا بحثا عن خشائش تغنيها سؤال الجوع…فلاحون توكلوا على القدير، فمنهم من زرع وصبر، ومنهم ركن إلى الوراء وانتظر…وكلهم أمل أن يجود الجواد بجوده ويُغيث العباد والشجر والحجر…
صقيع وموجة برد قارس تضرب المنطقة ابتداء من يوم غد الثلاثاء وحتى يوم الجمعة، وعيون العباد على السماء تترقب، وشبح الجفاف يُخيم من جديد بعد تأخر موسم الأمطار، حيثىالعطش يخيم على السدود والعيون والآبار، وجهات رسمية تسابق الزمن لمواجهة الوضع، عبر حزمة من القرارات، من قبيل ترشيد الاستهلاك، وتقنين الحفر، عبر الوصلات والتحسيس والندوات….
أين نحن من ذلك؟ وهل باتت لدى المواطن القناعة الراسخة بأن الوضع خطير، وأن زمن الاستهثار قد ولى بلارجعة..
نعم، كلنا أمل في رحمة الرحيم، لكن في المقابل، هل وقفنا وقفة تأمل مع ذواتنا لنسائل أنفسنا عن سبب انحباس المطر وانتشار الأسقام والفيروسات والجوع والفقر؟ وهل فعلا نملك الجرأة على رفع أكفنا للمولى عز وجل في زمن انتشرت فيه الرذيلة، وأضحت المجاهرة بها سنة متوارثة وموضة لدى البعض بدافع الحصول على المال ولو على حساب الأخلاق والقيم؟
نعم، كلنا أمل في الغفور الرحيم، الجواد الكريم، وهو القادر على كل شيء، لكن المشاهد القادمة من مواقع التواصل الاجتماعي وأبطال ” الروتيني اليومي”، التي تخذش الحياء، وتزلزل الأرض تحت أقدام العباد، حتى إن المجاهرة بالرذيلة ولو على حساب الشرف، أضحت موضة تنتظر النقر على زر الاعجاب…
نعم، كلنا أمل في رحمة الرحيم، صاحب الفضل علي وعليك وعلينا جميعا… نعم، فنحن الذين خرجنا من بين براثين كورونا بأقل الخسائر، هذا الفيروس المرعب الذي فرّق الجماعات وقتها، وأدخل العالم بأسره في متاهة البحث عن النجاة من الهلاك، فلم يبق أمام البشرية جمعاء سوى أن تتخذ قرارا قسريا للدخول “سوق جْواها”، وتغلق على نفسها بابا، الله وحده يعلم متى سيفتح من جديد…حتى إن العالم اليوم بات يحن إلى زمن ماقبل كورونا…لكن هيهات هيهات…
وأين نحن من قول ربنا عز وجل على لسان نوح عليه السلام” وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ”
صدق الله العظيم.