في مشهد يعكس معاناة مئات المرضى الخاضعين للعلاج من الإدمان، عاش المغرب خلال الأسابيع الماضية أزمة حادة بسبب انقطاع دواء “الميثادون”، وهو العلاج الأساسي المعتمد لمساعدة المدمنين على المواد الأفيونية في عملية التعافي.
وكانت هذه الأزمة كابوسًا حقيقيًا للمرضى الذين وجدوا أنفسهم فجأة في مواجهة آلام انسحابية شديدة، مما دفعهم إلى النزول إلى الشوارع للتعبير عن معاناتهم والمطالبة بحقهم في العلاج.
الاحتجاجات التي اندلعت في مختلف المدن، خاصة في طنجة وتطوان، شكلت ضغطًا قويًا على السلطات الصحية، حيث تجمّع المرضى أمام مراكز علاج الإدمان، رافعين أصواتهم ضد ما اعتبروه إهمالًا وتهديدًا لحياتهم.
في بعض الحالات، تصاعدت الاحتجاجات إلى قطع الطرقات، في مشهد يعكس عمق المعاناة التي خلفها غياب الدواء.
وسط هذا الاحتقان، أعلنت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية عن وصول دفعة جديدة من دواء الميثادون، مؤكدة استئناف التوزيع العادي في مختلف المراكز الصحية.
وفي بيان رسمي، قالت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، أنه تم يوم السبت تزويد جميع مراكز التكفل بالإدمان على المستوى الوطني بكمية كافية، مما يضمن استمرارية العلاج للمرضى.”
“ويأتي هذا الإجراء، وفقا للبلاغ بفضل تعبئة الوزارة وشركائها، ومن خلال التعاون الدولي الهادف إلى تأمين مصادر تموين، وقد تم توفير مخزون كافٍ يلبي احتياجات المرضى، مما يعكس التزام الوزارة بضمان استمرارية العلاجات الأساسية.”
“كما تواصل وزارة الصحة والحماية الاجتماعية جهودها لتحسين تدبير المخزون الدوائي وتعزيز آليات التزويد، مع الاستمرار في التنسيق مع الشركاء الوطنيين والدوليين، لضمان توفر دائم لدواء الميثادون وتفادي أي اضطرابات مستقبلية.”
لكن السؤال الذي يظل مطروحًا هو: لماذا لم تتخذ التدابير اللازمة لتجنب هذه الأزمة منذ البداية؟ ولماذا تُرك المرضى لمواجهة تبعات الانقطاع دون أي خطة بديلة؟
النقابة الوطنية للصحة العمومية سبق أن نبهت إلى خطورة الوضع، مشيرة إلى تزايد حالات الاعتداء الجسدي على الأطر الصحية في بعض المراكز نتيجة الانفعال الشديد الذي سببه انقطاع الميثادون.
وأكدت أن الموظفين أصبحوا في مواجهة مباشرة مع مرضى في حالة اضطراب نفسي حاد، مما زاد من المخاطر داخل المؤسسات الصحية.
من جهة أخرى، دخلت جمعيات المجتمع المدني على الخط، داعية الحكومة إلى اتخاذ تدابير مستدامة تضمن عدم تكرار هذا السيناريو.
وسبق أن أطلقت عدد من الهيئات الوطنية نداءً عاجلًا حذرت من التداعيات الكارثية لنقص هذا الدواء. وطالبت الجمعيات بإشراكها في اتخاذ القرارات المتعلقة بالإدمان لضمان فعالية الحلول المتخذة، وعدم تعديل جرعات العلاج دون استشارة المرضى.
حتى البرلمان لم يكن بعيدًا عن الأزمة، حيث وجه النائب رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، سؤالًا كتابيًا إلى وزير الصحة، مستفسرًا عن استراتيجية الوزارة في التعامل مع الأزمة.
وأكد حموني أن أي تعديل في الجرعات يجب أن يكون مبنيًا على أسس علمية، وفقًا لتوصيات منظمة الصحة العالمية، محذرًا من أن الانقطاع المفاجئ للعلاج قد يؤدي إلى ارتفاع معدلات الانتكاس، مما يقوض جهود مكافحة الإدمان في البلاد.
الآثار المترتبة على الأزمة لا تقتصر فقط على المرضى، بل تمتد إلى برامج الصحة العامة.
فوفقًا لخبراء الصحة، يمكن أن يكون لنقص الميثادون تأثير مباشر على جهود محاربة فيروس نقص المناعة البشري (HIV)، خاصة أن بعض المرضى المصابين بالفيروس يعتمدون على هذا العلاج ضمن برامج تقليل الأضرار المرتبطة بالإدمان.
هذا ما يجعل معالجة الأزمة ضرورة قصوى تتجاوز البعد العلاجي لتصل إلى مستوى الصحة العامة.
في ظل كل هذه التحديات، يبرز سؤال محوري: كيف يمكن للمغرب أن يضمن عدم تكرار هذه الأزمة مستقبلاً؟ الحلول المطروحة تتراوح بين تحسين إدارة المخزون الدوائي، وتعزيز التعاون مع الشركات المصنعة، وإيجاد بدائل علاجية، إضافة إلى ضرورة إشراك المجتمع المدني والمرضى أنفسهم في القرارات المتعلقة بعلاج الإدمان.
كما اعتبرت الهيئات المهنية أن تعزيز الشفافية في تدبير الأدوية الأساسية، ووضع خطط استباقية لتأمين مخزون دائم، بات أمرًا ضروريًا لضمان استمرار العلاجات الحيوية دون انقطاع.
وكانت أزمة الميثادون الأخيرة بمثابة إنذار قوي لضرورة مراجعة السياسات الصحية المتعلقة بالإدمان، ليس فقط لضمان توفر الدواء، بل لتطوير استراتيجيات أكثر شمولًا تستجيب لحاجات المرضى وتحمي حقوقهم في العلاج والاستقرار الصحي.