مع بداية شهر أكتوبر الجاري بدأ العد العكسي لتدشين الدخول السياسي الجديد وسط مطالب وتحديات اجتماعية متنامية تطرح نفسها بقوة على الفاعل الحزبي بالبلاد، سواء في الأغلبية أو المعارضة، وتسائل أدواره والمسؤوليات المنوطة به، كل من مكانه. غير أن الوضع الداخلي لجل الأحزاب السياسية “لا يبدو في أفضل حال” لمواجهة التحديات والانتظارات الشعبية المطروحة.
وتعيش مجموعة من الأحزاب المغربية في المعسكرين على إيقاع خلافات حادة وصراعات بين مكوناتها، أخذت تتطاير شظاياها في الأسابيع الماضية، لعل أبرزها ما يواجهه حزب الأصالة والمعاصرة جراء تجميد عضوية صلاح الدين أبو الغالي، أحد أعضاء “القيادة الجماعية”، الذي أثار ضجة كبيرة داخل التنظيم والمشهد السياسي برمته.
وفي المقابل يواصل حزب الاستقلال سعيه المستمر وراء إعلان أمينه العام نزار بركة لائحة أعضاء اللجنة التنفيذية التي ستقود المرحلة معه في السنوات المقبلة، وسط توقعات بظهور خلافات في المستقبل بسبب إبعاد أسماء كانت إلى عهد قريب تأمر وتنهى في شؤون الحزب بعدد من مناطق.
الأوضاع التي يعيشها حزبا الأغلبية تأتي إلى جانب ما تعرفه أحزاب أخرى في المعارضة، مثل حزب العدالة والتنمية الذي يستعد لعقد مؤتمر “غير عادي” السنة المقبلة، وسط تجاذب إرادتين، واحدة تطلب التغيير، وأخرى تتمسك وتدافع عن استمرار عبد الإله بنكيران على رأس الحزب ذي المرجعية الإسلامية.
في قراءته للموضوع يرى محمد يحيا، أستاذ العلوم السياسية بجامعة عبد المالك السعدي، أن هناك “صراعات داخلية كبرى داخل الأحزاب المغربية”، معتبرا أن “حزبي الأصالة والمعاصرة والاستقلال يمثلان خير دليل على ذلك”.
وقال يحيا، ضمن تصريح لهسبريس، إن “الهدف الأساسي من الصراعات التي تعيشها الأحزاب هو التموقع داخلها”، لافتا إلى أن “مسألة التعديل الحكومي التي تتصدر الأجندة الوطنية السياسية ليست بعيدة عما يجري”.
من جهة أخرى سجل أستاذ العلوم السياسية أن “الهدف الأساسي بالنسبة لكل حزب سياسي هو الرفع من منسوب الثقة في علاقة بالمواطنين، إذ إن الاستحقاقات المقبلة بدأت تظهر بوادرها” وزاد: “نحن في نصف الولاية، وبالتالي كل هذا له علاقة بتموقع الأحزاب، وكذلك التهييء للمحطات المقبلة، وعدم فقدان منسوب الثقة”، مؤكدا أن “ساحة النقاش السياسي تغيب عنها المواضيع الجدية المرتبطة بالإشكاليات الكبرى، مثل التربية والتكوين والتشغيل والسكن والغلاء وندرة المياه”، ومعتبرا أن “هذه هي الملفات الكبرى التي يجب أن تعطى لها الأولوية إذا أرادت الأحزاب استرجاع منسوب الثقة بالنسبة للرأي العام والمواطنين العاديين”.
من جهته سجل عبد الله أبو عوض، المحلل السياسي والأستاذ الجامعي، أن “بعض الأحزاب تعمل على مسايرة العمل السياسي ومحاولة ترتيب تنظيماتها”، موضحا أن “هناك ركودا تاما بالنسبة لأحزاب المعارضة، وتشتتا من الناحية التنظيمية في ما يرتبط بالمقاربة السياسية في الجوانب المرتبطة بهذه المرحلة”.
وأشار أبو عوض، ضمن تصريح لهسبريس، إلى “غياب معارضة سياسية حقيقية تعمل على إثارة النقاش السياسي العمومي رغم عدم بداية السنة التشريعية”، مؤكدا أن “هذا الوضع لا يمنع أن يكون هناك حراك سياسي يعتمد على الرأي والرأي الآخر”.
وأفاد المتحدث ذاته بأن “الأحزاب باتت تركز على إعادة ترتيب البيت الداخلي من أجل صيرورة الرهان، لأننا بدأنا العد التنازلي البطيء لاستعداد الأحزاب لخوض الاستحقاقات الانتخابية المقبلة”، موضحا أن “أحزاب الأغلبية التي يفترض أن تعرف استقرارا سياسيا هي التي تعرف حراكا، وهو ما يفيد بأن هناك قطبية سياسية، وهي التي ستكون في المستقبل الرهان الأساس على مستوى الممارسة الحزبية”.
كما شدد أبو عوض على أنه “كلما اقتربت الانتخابات كلما أعادت الأحزاب السياسية ترتيب بيوتها الداخلية، سواء من الناحية التنظيمية أو من ناحية القيادات التي تقرر الممارسة السياسية الحزبية”، معتبرا أن “ما يجري داخل بعض مكونات الأغلبية لا يمكن نعته بالصراعات، بقدر ما هو تصحيح مسارات وإعادة ترتيب الأوراق الداخلية بما يتوافق مع تطلعات الشعب المغربي ورهانات المرحلة المقبلة”.
وأشار المحلل السياسي ذاته إلى أن “التحديات الداخلية في العمل السياسي ليست بالضرورة قرينة بالشأن الداخلي للأحزاب فقط، وإنما تتأثر بالخارج، الذي ينعكس على الأداء الحكومي الداخلي”، وحث أحزاب المعارضة على “الاجتهاد وإثبات التوازن الذي يمكن أن يفرض على الحكومة تجويد العمل وتحقيق الرهانات التي حددتها كسقف للمجتمع المغربي الذي وضع الثقة فيها، وراهن عليها لتحقيق الدولة الاجتماعية”، وفق تعبيره.