رغبة مهمة تلك التي توجد لدى إسبانيا، اليوم، تجاه فكرة دعوة دول الجوار الجنوبي المنتمية إلى “منتدى الحوار المتوسطي”، على رأسها المغرب، إلى اجتماع وزراء خارجية دول حلف الشمال الأطلسي (الناتو) المرتقب في دجنبر المقبل، وفق ما كشفت عنه وسائل إعلام إسبانية.
وكالة “أوروبا بريس”، التي أوردت الخبر بناء على مصادرها، قالت إن مدريد ترغب بأن يستدعي الحلف الذي تنتمي إليه دول الجوار الجنوبي لحضور الاجتماع الذي سيعقد في دجنبر المقبل، وأن يتم بذل الجهد لضمان دعوة عدد قليل من الدول المعنية على الأقل بالموضوع.
ويبقى المغرب من أبرز حلفاء “الناتو”، حيث انضم منذ 1995 إلى “منتدى الحوار المتوسطي”، الذي يعتبر منصة للتعاون بين أعضاء المنظمة ودول حوض البحر الأبيض المتوسط. كما حصل على صفة “حليف رئيسي من خارج الحلف” منتصف سنة 2004، فضلا عن كونه من أهم الشركاء الاستراتيجيين لهذا الحلف الغربي في إدارة وتدبير مجموعة من الملفات الأمنية كملف الإرهاب والجريمة المنظمة، حيث أشاد الحلف في تقريره السنوي بمستوى الشراكة مع المغرب والمكانة التي يحظى بها في الاستراتيجيات الأمنية للحلف.
شريك موثوق لـ”الناتو”
محمد عطيف، الباحث في السياسة الخارجية والعلاقات الدولية، قال إن “محاولة دعوة المغرب، بطلب من مدريد، لحضور هذا الاجتماع، الذي سيحدد من خلاله الحلف أولوياته وأهدافه الاستراتيجية، يحمل في طياته مجموعة من الدلالات، أهمها أن المملكة بات لها ثقل أمني كبير في المنطقة المتوسطية كونها شريكا أساسيا لهذا الحلف في تدبير مجموعة من الملفات الأمنية في المنطقة على غرار ملف الإرهاب والجريمة العابرة للحدود”.
وأضاف عطيف، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الموقع الجيو- استراتيجي للمغرب وتموجه الأمني، إضافة إلى الخبرات التي راكمها في إدارة عدد من الأزمات والملفات، تجعله شريكا موثوقا لا محيد عنه بالنسبة لحلف شمال الأطلسي، ومن هنا يأتي طلب إسبانيا دعوة المغرب إلى هذا الاجتماع من أجل إشراكه في صياغة الاستراتيجيات الأمنية الكبرى لردع مختلف المخاطر التي تواجهها المنطقة”.
وأشار إلى أن “الرباط شاركت في العديد من التمارين والتدريبات العسكرية التي نظمها الحلف خلال السنوات الماضية، وهذا يؤكد مركزية المغرب في استراتيجية الحلف والدور الكبير الذي يلعبه في المنطقة”، مسجلا أن “حلف “الناتو” بات يراهن على الشراكة مع المغرب من أجل مواجهة تصاعد التوترات الأمنية في الساحل وتنامي النفوذ الروسي في هذه المنطقة”.
وأوضح أن “استراتيجية حلف شمال الأطلسي لمواجهة مختلف التهديدات في جنوب أوروبا وحوض البحر الأبيض المتوسط باتت ترتكز على إشراك الدول الفاعلة في هذه المنطقة من خلال مجموعة من الآليات والأدوات على غرار حوار “الناتو” المتوسطي الذي يهدف إلى تعميق التعاون مع الدول المتوسطي، سواء في إطار ثنائي أو متعدد الأطراف”، مؤكدا أن “هذه المبادرة الإسبانية تكشف عن وجود رؤية موحدة بين المغرب وإسبانيا من أجل تحقيق التكامل وضبط الملفات الإقليمية في المنطقة”.
سياق جديد
من جهته أوضح عبد الرحمان مكاوي، الخبير الأمني والاستراتيجي، أن “سعي الدولة الإسبانية لدعوة المغرب إلى هذا الاجتماع يأتي في سياق سعي حلف شمال الأطلسي إلى تعزيز الشراكة والتنسيق والتعاون مع المملكة بصفتها حليفا استراتيجيا رئيسيا من خارج هذا الحلف”، مبرزا أن “التحولات الجيو- سياسية التي يشهدها حوض البحر الأبيض المتوسط تفرض على “الناتو” إشراك جميع الدول الفاعلة في هذه المنطقة، على رأسها المغرب، من أجل وضع منظور أمني استباقي للتهديدات المتنامية في هذه المنطقة الاستراتيجية”.
وأضاف مكاوي، في تصريح لهسبريس، أن “الدول الغربية المطلة على البحر الأبيض باتت متخوفة من مجموعة من التحديات والتهديدات الأمنية المرتبطة بالحرب في أوكرانيا، وتصاعد أنشطة الجماعات الإرهابية في الساحل، وكذا الحرب في الشرق الأوسط، خاصة في ظل وجود تهديدات إيرانية بنقل الحرب مع إسرائيل إلى مناطق وجبهات أخرى، خاصة في المتوسط”.
في السياق ذاته أشار الخبير الأمني إلى “تصريح سابق لقائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي، الذي تحدث فيه عن إمكانية نقل الحرب إلى مناطق أخرى خارج الشرق الأوسط”، مسجلا أن “وكلاء إيران في المنطقة، وضمنهم الحوثيون، أطلقوا بدورهم تهديدات مشابهة، إذ باتوا يمتلكون صواريخ بالستية قادرة على الوصول إلى عدة نقاط جغرافية في العالم، وهذا ما يثير مخاوف الدول الأعضاء في حلف “الناتو”، التي تسعى إلى تعزيز شراكاتها مع حلفائها الاستراتيجيين لتأمين مجالها الحيوي”.
وأبرز أن “المغرب يكتسي أهمية كبرى بالنسبة لـ”الناتو”، خاصة أنه يساهم مع أعضاء الحلف في الإشراف على مضيق جبل طارق، الذي يعد واحدا من أهم المضايق والممرات البحرية العالمية”، مضيفا أن “طلب إسبانيا من “الناتو” دعوة المغرب إلى هذا الاجتماع يؤكد تطابق رؤى المملكتين في العديد من القضايا الأمنية، والرغبة في تعزيز التعاون والشراكة لتأمين مضيق جبل طارق، وتحقيق الأمن والاستقرار في حوض البحر الأبيض المتوسط”.