وجّه أكاديميون وسياسيون جُملة من الانتقادات لـ”تخلف” عدد من المؤسسات والمرافق العمومية عن الالتزام بمسؤوليتها في الترافع عن قضية الصحراء المغربية، مُسجّلين أن اثنتين من أبرز هذه المؤسسات، البرلمان والأحزاب السياسية، “لا تزالان لم تشرعا بعد في اتخاذ خُطوات عملية تترجم الاستجابة لدعوة الملك محمد السادس لتفعيل الدبلوماسية الموازية في حصد الإنجازات لهذه القضية”.
هؤلاء الذين كانوا يُقاربون موضوع “القضية الوطنية والدبلوماسية التشاركية”، في ندوة فكرية نظمتها، الجمعة، مؤسسة “أثر لقضايا النوع والطفولة والشباب”، بشراكة مع كلية علوم التربية، بمقر الأخيرة بالرباط، أبرزوا أن “دور الجامعة في معركة ترصيد منجزات المغرب في ملف صحرائه لا يزال غير مرئي، إن لم يكن غائباَ، فالبحث العلمي بشأن الأخير قليل، والطلبة يفتقرون إلى معطيات تاريخية مهمة في هذا الصدد”.
تنفيذ البرلمان
عبد الرحيم بوعيدة السياسي، والأستاذ الجامعي، أكدّ أن “الملك محمد السادس أحدث بخطابه يوم افتتاح الدورة الربيعية من السنة التشريعية الجارية قطيعة على مستوى تدبير قضية الصحراء المغربية؛ إذ أشار إلى ضرورة الانطلاق نحو المستقبل، على أساس أن يترافع عن هذه القضية ذوو الاختصاص والكفاءة”، مُضيفا أن “جميع الانتصارات في هذا الملف جاءت ثمرة لدبلوماسيته، مما يُسائلنا جميعاَ عما حققنا في هذا الإطار”.
واستنكر بوعيدة، في مداخلته، “عدم تخصيص البرلمان الاثنين الموالي للخطاب الملكي يوما للقضية الوطنية، بل دخل خلال جلسته في مشادات تثير صورة مُسيئة عن المكان الذي بعث فيه الملك توجيهاته”، منتقدا “عدم تفعيل هذه التوجيهات، سواء من قبل المؤسسة التشريعية أو الأحزاب السياسية، التي أحجمت عن إحداث لجان خاصة بالعمل الدبلوماسي الترافعي عن القضية الوطنية”.
وأضاف أن المرحلة الحالية “تتطلب تغيير آليات الخطاب، ووعي الفاعل السياسي بأن الملك ألقى عليه مسؤولية كبيرة، فمثلا إسبانيا تدعم مغربية الصحراء، لكن هل الملك دوره أن يتحدث مع حزب بوديموس الإسباني”، مُشيرا إلى أن “المعركة الكبيرة اليوم هي على أرض الجارة الشمالية، حيث ينتشر الانفصاليون لأنهم لم يجدوا أصواتا تُرافع عن الطرح المغربي في هذا الملف”.
وأبرز أن هذه المرحلة “تستدعي كذلك الإجابة عن كل الأسئلة الحرجة في هذا الإطار بواسطة الحجج والدلائل العلمية التي لا يفهم الأجنبي سواها”، مُنتقدا “غياب الأبحاث العلمية تقريبا في القضية الوطنية، حيث نجد فقراَ في أطاريح الدكتوراه المعدة عنها”. وأكد وهو يُقارب دائما متطلبات مرحلة ما بعد “قطيعة الملك” أنه “حان الوقت لتغيير تركيبة المجلس الملك الاستشاري للشؤون الصحراوية وتحريكه”.
“معطيات مُتوفرة”
عبد الكريم بنعتيق، الفاعل السياسي والوزير المكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج سابقاَ، شاطر بوعيدة رأيه حول توفر كافة الأسانيد للترافع عن مغربية الصحراء، قائلا: “قبل أربعين سنة كان السياسيون يفتقرون في هذا الصدد إلى عدة وثائق، غير أنه اليوم باتت الخزينة مُتخمة بكل ما يلزم منها لهذا الترافع”.
وسرد بنعتيق في مداخلته نُتفا من “المعطيات والحجج الدامغة المتضمنة في هذه الوثائق، منها طلب الإنجليزي دونالد ماكينزي حين قرر الاستثمار في الصحراء المغربية، من حكومته، التدخل لدى السلطان المغربي من أجل الحصول على دعم لخطوته هذه، في معطى يؤكد أن سيادة المغرب على الصحراء كانت دائما مُؤتمنة في أعناق السلاطين، وما زالت كذلك إلى اليوم”، مُبرزا أن “هذه السيادة لم تتبلور في 1975، بل لها جذور تاريخية”.
واستحضر في هذا السياق “نموذج الشيخ الهيبة بن ماء العينين، الذي كان النضال يرتكز عنده على المزاوجة بين الكفاح والبيعة للسلاطين المغاربة”، مُشددا على أهمية تملك مثل هذه المعطيات من أجل الترافع عن عدالة القضية الوطنية. ولفت خلال حديثه عن مرحلة ما بعد الاستقلال إلى أن “المغرب واصل منذ 1960 البصم على أداء تصاعدي في ملف الصحراء المغربية”.
كما أشار إلى جُملة من المشاريع المهمة التي جاء بها النموذج التنموي للأقاليم الجنوب، ضمنها “الطريق السريع تزنيت- الداخلة، الذي سوف يغير خريطة التجارة في إفريقيا، وميناء الداخلة الأطلسي، إلخ”.
فتح النافذة
خديجة الزومي، الفاعلة السياسية والنقابية وعضو مؤسسة “أثر لقضايا النوع والطفولة والشباب”، تطرّقت بدورها إلى مشاريع لا تخرج عن تحقيق التنمية في الصحراء، مضيفة أنها “أحد تجليات الدبلوماسية الاقتصادية التي جاء بها الملك، وعلى رأسها المبادرة الأطلسية، التي سوف تربح منها كل بلدان إفريقيا”.
وأكدّت الزومي في مداخلتها أن الملك دعا في خطابه إلى “تعبئة الجميع للانخراط في القضية الوطنية، التي راكمت الكثير من الإنجازات، حيث بات الحكم الذاتي مرحبا به في جميع الفضاءات الدبلوماسية، وعدلت دول كثيرة موقفها إيجابا تجاه القضية، آخرها غانا”.
والتعبئة دفعت نور الدين بلحداد، أستاذ جامعي وخبير في قضية الصحراء، إلى جعل مداخلته “تفتح نافذة للطلبة من أجل الاطلاع على الوثائق في مغربية الصحراء”، ذاكراَ عدة معطيات تاريخية، تشمل أساسا “تمكن السلطان محمد بن عبد الله قبل قرون من انتزاع اعتراف دول بمغربية الصحراء، ومثله فعل الحسن الثالث مع البريطانيين سنة 1886، فضلا عن دبلوماسية السلطان عبد العزيز في بلاد شنقيط، وتعيين السلاطين لنوابهم في الصحراء بظهائر”.
واستحضر بلحداد، وهو يستل من التاريخ ما يُثبت سيادة المغرب على صحرائه، أن “الصحراويين لم يتنكروا لهذه السيادة، رغم المزايا التي منحت لهم من قبل الإسبان”، و”بصموا على مبادرات مهمة شملت عدم إقامة الأعراس خلال فترة نفي السلطان محمد الخامس”.
واستنكر المتحدّث، في ختام مداخلته، “غياب مثل هذه المعطيات التاريخية عن الطلبة المغاربة ودفات البحث العلمي، وعن البرامج الثقافية في الإعلام المغربي”.
شروط لازمة
محمد بودن، الخبير في الشؤون الدولية المعاصرة، لفت في مداخلته إلى الحاجة إلى “الترافع لشرح مجموعة من المفاهيم، ضمنها “الجدية” والواقعية” التي يوصف بها الحكم الذاتي، و”الدائم” و”المتوافق عليه”؛ وهي معايير الحل السياسي الذي تدعو إليه الأمم المتحدة”، موازاةَ مع “مواصلة تحصيل كافة الملفات والأسانيد القضائية اللازمة للدفاع عن مغربية الصحراء”.
وتطرّق في هذا الصدد إلى “شروط عديدة لكي تحقق الدبلوماسية التشاركية القيمة المضافة للدبلوماسية الرسمية، على رأسها الكفاءة والإلمام والخبرة في مختلف الجوانب ذات الصلة بملف الصحراء، والتوفر على شبكة علاقات عامة”، مع “الاستقلال عن الأجندة الأجنبية، وتوزيع الأدوار بين المتدخلين حسب التخصص والبلد أو المنطقة المستهدفة”.