الدار/ تحليل
في مشهد يُعيد تشكيل خارطة التحالفات والمواقف، تحولت سوريا التي لطالما وُصفت بـ”قلب العروبة النابض” إلى ساحة مفتوحة، تتحرك فيها المصالح الدولية والإقليمية على حساب سيادة الدولة ومعاناة شعبها. بعد سنوات الصراع الطويلة التي بدأت بحراك شعبي للمطالبة بالحرية والكرامة وتحولت إلى حرب معقدة الأطراف، وأفضت إلى تهجير الملايين وترك سوريا في حالة من الفوضى التي تُوصف أحيانًا بـ”غياب البواب” وصولا إلى الإطاحة بنظام بشار الأسد وتولي المعارضة الحكم.
لكن المفارقة اللافتة تتجلى في تغيّر مواقف بعض الشخصيات الإعلامية التي لطالما كانت تُمجّد النظام السوري وتُدين المعارضة، قبل أن تعود اليوم إلى سوريا في زيارات مثيرة للجدل، مما يطرح تساؤلات عميقة حول صدق النوايا وتحولات المصالح. من بين هذه الشخصيات، الإعلامية الجزائرية خديجة بن قنة، التي أثارت زيارتها الأخيرة لسوريا حالة من الجدل على منصات التواصل الاجتماعي، بالنظر إلى مواقفها السابقة التي وصفت المعارضة السورية بـ”الإرهابية” وأبدت دعماً للنظام السوري.
إن التحولات التي طرأت على خطاب بعض الشخصيات الإعلامية تسلط الضوء على إشكالية أعمق تتعلق بدور الإعلام في تشكيل الرأي العام أثناء الأزمات. الإعلام، الذي يُفترض أن يكون مرآة للحقيقة، وجد نفسه في كثير من الأحيان جزءًا من أدوات الحرب الناعمة، يروّج لمواقف ويُدين أخرى وفقاً للأجندات السياسية.
موقف خديجة بن قنة ليس استثناءً في هذا السياق، فقد اعتمدت في السابق على لغة خطاب تتماهى مع سياسات النظام السوري، وها هي اليوم تزور سوريا في لحظة تبدو فيها البلاد مفتوحة للجميع، باستثناء أبنائها المهجرين والنازحين الذين باتت الحدود عائقاً أمام عودتهم.
إن توصيف سوريا بأنها أصبحت “دون بواب” يُحيلنا إلى واقع مرير تعيشه البلاد، حيث باتت أراضيها مسرحاً للقواعد العسكرية الأجنبية وتقاطعات المصالح الدولية. غياب السيادة الوطنية ليس مجرد شعار سياسي، بل هو واقع ملموس يظهر في تفاصيل الحياة اليومية للشعب السوري الذي يدفع وحده ثمن هذه الفوضى.
الجدل حول زيارة شخصيات إعلامية إلى سوريا لا يتعلق فقط بتبدل المواقف، بل يفتح الباب أمام تساؤلات أخلاقية عميقة..
هل باتت المأساة السورية مادة إعلامية للاستهلاك فقط؟ وكيف يمكن أن نُعيد الاعتبار لدور الإعلام كوسيلة لنقل الحقيقة بعيداً عن الاصطفافات السياسية؟
يبقى الواقع السوري شاهدًا على مأساة إنسانية كبرى لا تزال بحاجة إلى مواقف جادة وحلول عملية بعيداً عن المصالح الضيقة. سوريا الحرة ليست أرضاً مفتوحة بلا أبواب، بل هي وطن يتطلع شعبه وقيادته الحالية التي ناضلت إلى مستقبل يحمل الأمان والكرامة بعيداً عن التدخلات والصراعات.