على مدار السنوات الماضية، تم توقيع عدد من المحاضر لمنح تراخيص لفائدة منعشين عقاريين وخواص بطنجة، بغرض تشييد عقارات وتجزئات سكنية فوق الأودية والبحيرات، دون الأخذ بعين الاعتبار مخاطر هذه القرارات على المدى البعيد، خاصة وأن الفاجعة، التي هزت طنجة في فبراير سنة 2021، كانت ناتجة عن تشييد معمل للنسيج فوق مجرى واد، بعد تغيير تنطيقه بشكل أدى إلى الحادثة التي راح ضحيتها نحو 30 شابا وشابة.
طنجة: محمد أبطاش
تكشف بعض المعطيات المتوفرة أن تصاميم التهيئة هي الوثائق القانونية التي تُحدد استخدامات الأراضي وتوجه التنمية الحضرية بما يتماشى مع القوانين الوطنية، وأهمها القانون 12.90 المتعلق بالتعمير، وهذه القوانين تمنع المشاريع السكنية في المناطق ذات المخاطر الطبيعية، على غرار الأودية والمناطق الهشة جيولوجيا، خاصة في ظل ظهور تقارير رسمية صادرة عن وزارة الداخلية تكشف أن 80 من الوفيات الناتجة عن الفيضانات بالمملكة ترتبط بالبناء قرب الأودية. ورغم وجود هذه الأرقام والمعطيات الرسمية، إلا أن المخاطر لا تزال قائمة بمدينة طنجة. ويكشف تقرير صادر عن الوكالة الحضرية لتطوان في سنة 2023 أن هناك 13 منطقة حساسة على مستوى جهة طنجة- تطوان-الحسيمة، أغلبها أودية ومجار مائية، وتم تسجيل تجاوزات بانتظام منذ سنة 2015، عبر 28 تعديلا وصفت بالمشبوهة لتصاميم التهيئة، وسجلت أربعة منها بمدينة طنجة.
تجزئة فوق واد
في قلب مدينة طنجة الحضرية، وبمنطقة اعزيب حاج قدور، سئم السكان من توجيه سيل من المراسلات إلى كل المؤسسات الوصية حول مخاطر تشييد مشروع عقاري فوق منطقة عبارة عن واد يخترق مسنانة، لكن دون آذان صاغية. وتعود تفاصيل هذه القضية، التي تورطت فيها عدد من المؤسسات بما فيها جماعة طنجة، إلى سنة 2020، حين قامت شركة عقارية بتغيير مجرى واد خطير لإنشاء مجمع سكني. ورغم أن كل محاضر المصالح الوصية بالوكالة الحضرية والمهندسين المشرفين على المشروع لم ينبهوا لهذا الخطر، فإن الصوت الخافت الذي نبه لهذا الأمر هم السكان المجاورون للمجمع السكني، الذين يعيشون على أطراف الواد، حيث رفعوا شكايات إلى ولاية طنجة ومصالح وزارة الداخلية، رغم أن تقرير اللجنة المختصة التي عاينت الموقع أكد «عدم وجود خطر حالي»، لكنه لم يفسر كيفية حصول الشركة على الترخيص لتغيير مجرى الواد، وهو أمر يُعد مخالفا لقانون حماية البيئة رقم 11.03.
حرب على البحيرات
توجد بمدينة طنجة العشرات من البحيرات، البعض منها تم تركها على حالها، غير أن عددا كبيرا منها تم طمرها وإعادة توظيفها في المشاريع السكنية رغم أن مكانها في الأصل هو نقطة لتجمع مياه الأمطار. ورغم غياب المعلومات الدقيقة بخصوص عمليات الطمر، إلا أن مهندسا قام أخيرا بإخلاء مسؤوليته من مثل هذه الفضائح العقارية، بعدم طعن في محاضر للجان تم انتدابها بغرض إجراء معاينة قبيل إصدار مرسوم تحت مسمى «إخراج ضاية من الملك العمومي المائي على مستوى مدينة طنجة، وذلك نظرا لانتفاء صيغة المنفعة العامة».
وتعود فصول هذا الملف إلى الشهور القليلة الماضية، حين تم انتداب لجان قبيل صدور المرسوم رقم 2.24.944 بتاريخ 2024/11/14 والقاضي بترسيم إخراج ضاية – قطعة أرضية متواجدة بالملك المسمى «العرفان 2» ذي الرسم العقاري عدد 191843/06 من الملك العمومي المائي وضمها إلى ملك الدولة الخاص بجماعة طنجة عمالة طنجة أصيلة، وبناء على انتفاء صبغة المنفعة العامة عنها حسبما تشترط المادة 08 من قانون الماء 36-15.
ووفق المعطيات ذاتها، فإن اللجنة أكدت، ضمن محضرها، أنها لم تجد أي آثار لهاته الضاية على أرض الواقع، وأنها، أي اللجنة، أكدت على أن جميع مصادر تغذيتها لم يعد لها أي وجود في الوقت الحالي، ما يعني، وفقا لهذا التوصيف، أنه يعطى الضوء الأخضر لعملية التفويت إلى الملك العمومي الخاص بموجبه يتم كراء عقارها أو تفويته أو حتى بيعه مستقبلا. وحسب الطعون المقدمة في الموضوع من طرف العضو المعني، فإنه ليس في المحضرين المحررين بتاريخ 2023/01/04 و2023/12/25 ما يفيد البت في والتصريح بانتفاء صبغة المنفعة العامة عن الضاية موضوع طلب الإخراج، كما لم تبت كلتا اللجنتين في وجود أو عدم وجود مصادر تغذية الضاية موضوع طلب الإخراج، في الوقت الذي تمت مطالبة اللجنة التي تم انتدابها بتاريخ 2023/01/04 بموافاتها بدراسة هيدرولوجية حول حوض الضاية بمعطيات هيدرومناخية.
فرشة مائية في عز الجفاف
تشير بعض المصادر إلى أن واقعة «ضاية العرفان» تحمل في طياتها ألغازا من قبيل كيف يمكن الحديث عن عدم معاينة فرشة مائية في عز مرحلة الجفاف التي تضرب المملكة من شمالها إلى جنوبها، وخفوت نسب ملء السدود وغيرها، سيما وأن محاضر اللجنتين اللتين عاينتا الضاية أكدت عدم وجودها على أرض الواقع، من دون معاينة وجود أشغال تقويم أو تحويل مجار مائية أو تهيئة للبحيرات المادتين 28 و33 من قانون الماء 36-15 وبدون معاينة سبب طبيعي كما تنص على ذلك المادة 08 من قانون الماء، نظرا لكون الضاية مغطاة كليا بالأتربة، ما يكشف عن ظروف سبقت هذه العملية حسب طعن المهندس المذكور، خاصة وأن شركات للبناء تلجأ أحيانا لردم بعض الضايات بشكل غامض، ودعا العضو المعني إلى ضرورة التحقق من هذه الوضعية مع إعمال المساطر المقررة على مستوى قانون الماء.
وبناء على المعطيات، أشارت اللجنة، في محضرها بتاريخ 2023/01/04 في النقطة 04 من المعاينات، إلى السبب المفترض لعدم وجود الضاية على أرض الواقع والمرتبط بوجود إيداعات للأتربة، فيما أكد المهندس، الذي طعن في هذا الموضوع، «إن أي بت وتأكيد لانتفاء صبغة المنفعة العامة عن الضاية موضوع طلب ومرسوم الإخراج من الملك العمومي المائي، وكذا فحص مصادر تغذية الضاية وجودا أو عدما لأي سبب كان، سواء طبيعي أو أشغال تقويم وتحويل، فهو بالتأكيد تم بموجب أشغال لجنة ومحضر غير اللجنتين والمحضرين السالفي الذكر 2023/01/04 و2023/12/25، طالما أن الفقرة الثالثة من المذكرة لم تحدد تاريخ اجتماع اللجنة على افتراض واحتمالية وجود اجتماع ومحضر لم يكن فيه جميع المشاركين».
تداعيات غير معلنة
تكشف بعض المعطيات أن تغيير تصاميم التهيئة والتنطيقات لفائدة البناء فوق الأودية تنتج عنه تداعيات، بيئية واجتماعية واقتصادية، بحيث إن المناطق التي شهدت بناء فوق أودية أو مجار مائية تُعد الأكثر عرضة للفيضانات. إذ إن فيضانات طنجة سنة 2008 أودت بحياة 15 شخصا وتسببت في خسائر بقيمة 200 مليون درهم، ناهيك عن أن البناء على التربة الرملية أو فوق مجار مائية يؤدي إلى هبوط الأرض وتشقق المباني. وتشير بعض التقارير الهندسية إلى أن 40 في المائة من البنايات القريبة من الأودية معرضة لمخاطر هيكلية، وأن الأمر يؤثر بشكل كبير على الاقتصاد المحلي وخزينة الدولة، إذ إن جمود الرخص في مقاطعة مغوغة أدى إلى خسارة تقدر بـ50 مليون درهم من المداخيل الجماعية بين 2021 و2023، حيث جاء الجمود بسبب اكتشاف بنايات عشوائية فوق الأودية ناتجة عن تشجيع التجزئات العقارية بالنهج نفسه، وكان أبرز مثال على ذلك ما عرفته منطقة مسنانة بطنجة، أخيرا، حين انهار ورش للبناء عبارة عن مجمع سكني، ولحسن الحظ أن المشروع كان في طور البناء وراح ضحيته حارس المشروع السكني فقط.
+++
الحسني: السلطات المحلية لطنجة تتحمل مسؤولية خرق قوانين منظمة للماء
قال عبد الواحد الحسني، المستشار الجماعي السابق بجماعة طنجة، إن السلطات المحلية بطنجة مسؤولة عن خرقها مقتضيات المادة 96 من القانون رقم 36.15 المنظم للماء، التي تنص على أنه لا يمكن إنجاز أي منشأة فوق الملك العمومي المائي والمساحات المرتبطة به بصفة عامة، كما أنها لم تلتزم بالمادة 117 من القانون نفسه، التي تنص على منع إقامة حواجز أو بنايات أو تجهيزات أخرى تعرقل سيلان مياه الفيضانات في الأراضي التي يمكن أن تغمرها المياه، إلا بترخيص، وفي حالة واحدة فقط، وهي أن يكون الهدف من ذلك حماية المساكن والممتلكات الخاصة.
وتساءل الحسني: «هل قامت الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية المعنية بتفعيل مقتضيات المادة 118 من قانون 36.15؟ هذه المادة تلزم هذه الجهات بوضع مخططات للوقاية من أخطار الفيضانات في المناطق المعرّضة لها. وتتضمن هذه المخططات قواعد ومعايير صارمة يجب احترامها عند إعداد المشاريع العمرانية والصناعية والسياحية».
وتعرف مدينة طنجة، حسب الحسني، تسيبًا خطيرًا في هذا المجال، في ظل تواطؤ لوبي العقار تحت ذريعة الاستثمار، قائلا: «لقد ترافعنا كثيرًا في هذا الجانب، وأرسلنا مراسلات متكررة إلى الجهات المعنية لإعادة النظر في الأمر، لكن دون جدوى».
وأوضح الحسني: «في نقاشاتنا مع مختصين في مجال التعمير حول هذا الموضوع، أكدوا أنه من الإلزامي أن تُعطي وكالة حوض اللوكوس رأيها في مسألة البناء أمام المجاري المائية، وشددوا على أنه لا فرق بين الأودية المكشوفة وغير المكشوفة. هذه النقطة، وغيرها من الإشكالات، تستدعي وقفة حقيقية لمعالجة الاختلالات وضمان حماية المواطن والمجال العمراني في مدينة طنجة».