في قلب ملعب كرة القدم بمدينة غزة، الذي كان يوما مسرحا للرياضة وصخب الجماهير، تحول اليوم إلى مأوى مؤقت لآلاف النازحين الفلسطينيين الذين اضطروا إلى مغادرة منازلهم قسرا جراء الإبادة الإسرائيلية شمال قطاع غزة.
الخيام البدائية المصنوعة من القماش التي نصبت بملعب اليرموك غير قادرة على مواجهة قسوة الطبيعة، حيث أغرقتها مياه الأمطار، لتضاعف من معاناة المواطنين الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة مأساة إنسانية جديدة.
معاناة النازحين المستمرة
في هذا الملعب، الذي كان يوما مسرحا للساحرة المستديرة ومليئا بأصوات الجماهير الحماسية أثناء المباريات، باتت أركانه اليوم مكانا لأصداء البكاء وشكوى النازحين المكلومين، الذين أغرقتهم مياه الأمطار.
ورغم الظروف المأساوية، يبذل النازحون قصارى جهدهم لمقاومة البرد والمطر، حيث يستخدمون كل ما يتوفر لديهم من أدوات بسيطة لحماية أطفالهم وأسرهم، إلا أن نقص الإمكانيات والاحتياجات الأساسية عائق أمامهم.
وهطلت أمطار غزيرة على كافة مناطق قطاع غزة، منذ الليلة الماضية، في ظل انخفاض درجات الحرارة بشكل كبير.
وفي 5 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، اجتاح الجيش الإسرائيلي شمال قطاع غزة بذريعة “منع حركة حماس من استعادة قوتها في المنطقة”.
بينما يقول الفلسطينيون إن إسرائيل ترغب في احتلال شمال القطاع وتحويله إلى منطقة عازلة بعد تهجير سكانه، تحت وطأة قصف دموي متواصل وحصار مشدد يمنع إدخال الغذاء والماء والأدوية.
وإثر تلك العملية، اضطر عشرات الآلاف من فلسطينيي شمال القطاع إلى النزوح قسرا تجاه مدينة غزة، حيث أقام معظمهم في خيام ومراكز إيواء.
ولم يسمح الجيش الإسرائيلي للنازحين بحمل أمتعتهم أثناء النزوح، ما جعل حياتهم داخل الخيام ومراكز الإيواء غاية بالصعوبة، وتفتقر إلى أبسط مقومات العيش الإنساني.
سامي عسلية، أحد النازحين من مخيم جباليا، يقف أمام خيمته محاولا تغطيتها بقطع من النايلون والقماش لمنع تسرب المياه قال للأناضول، إن الوضع مأساوي، حيث أغرقت الأمطار خيمته المصنوعة من القماش.
وأوضح أن المياه تسربت بشكل كبير داخل الخيمة وأن الوضع مأساوي لا يمكن تحمله.
ويأمل عسلية بأن يحصل وعائلته المكونة من 15 شخصا في الحصول على المساعدة لتخفيف معاناته في ظل الظروف والإبادة والأمطار.
يأتي ذلك بينما يعاني النازحون من نقص في الأغطية والملابس الثقيلة ووسائل التدفئة التي يحتاجون إليها في مواجهة الأجواء الشتوية وظروف الطقس الصعبة.
ولا يختلف حال الفلسطيني أيمن صيام، النازح من جباليا، عن حال كثير من أبناء غزة الذين أجبرتهم الإبادة على ترك منازلهم واللجوء إلى ملعب تحول إلى مأوى مؤقت تحت نيران الحرب.
خيام من القماش
وقال صيام للأناضول: “تحت القصف والموت، والشهداء كانوا يملؤون الشوارع، اضطررت أنا وأسرتي إلى الفرار والاحتماء في هذا الملعب”.
وأضاف: “نصبنا الخيام، لكنها غير صالحة لمقاومة الشتاء، المطر يتسرب إلى داخلها لأنها مصنوعة من القماش، ومع أي عاصفة تهدد الرياح باقتلاعها”.
وتابع: “عندما غمرت المياه خيمتنا، اضطررت للجوء إلى خيام الجيران حتى ينتهي تساقط المطر، نحن نعيش بخوف، والعالم ظالم، أين الأمة العربية؟ أين المسلمون؟ لماذا لا يوقفون هذا الجنون؟”.
فيما قالت المسنة خديجة للأناضول: “لا أملك مكانا يأويني، و أعيش مع فتياتي عند أحد الأسر في ملعب اليرموك داخل خيمة”.
وأضافت: “أعاني من مرض السكري ولا أجد علاجا أو من يساعدني، ونناشد الأمة العربية والعالم بالتحرك لوقف الحرب”.
ويضطر الفلسطينيون خلال نزوحهم إلى اللجوء للمدارس أو لمنازل أقربائهم أو معارفهم، والبعض يقيم خياما في الشوارع والمدارس أو أماكن أخرى مثل السجون ومدن الألعاب، في ظل ظروف إنسانية صعبة حيث لا تتوفر المياه ولا الأطعمة الكافية، وتنتشر الأمراض.
وحسب المكتب الإعلامي الحكومي، بلغ عدد النازحين داخل القطاع منذ بدء حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية مليوني شخص من أصل 2.3 مليون إجمالي الفلسطينيين فيه.
بينما قال الفلسطيني سعيد شلاش للأناضول: “نعيش ظروفا معيشية قاسية داخل ملعب اليرموك، حيث تسربت مياه الأمطار إلى الخيام وأغرقت ملابسنا وأفرشتنا”.
وأضاف أنه نزح وعائلته هربا من القصف الإسرائيلي، لكنه واجه معاناة جديدة بسبب الأمطار، حيث لا توفر قطع النايلون والقماش أي حماية لهم.
وناشد شلاش، دول العالم أن “يوقفوا الإبادة والعودة إلى بيوتنا”.
غرق الخيام
وقال محمود بصل، المتحدث باسم الدفاع المدني للأناضول، إن “خيام النازحين بعدة مناطق بقطاع غزة تعرضت لأضرار جسيمة بسبب تدفق مياه الأمطار، ما أدى إلى تلف أمتعتهم”.
وأوضح أن “الأضرار تركزت بمخيم ملعب اليرموك، ومتنزه بلدية غزة، و مخيم الشاطئ، وعدد من المدارس، إضافة إلى مناطق وسط وجنوب القطاع”.
وناشد بصل المجتمع الدولي والأمم المتحدة بـ”التدخل العاجل لإنقاذ النازحين”، مطالبا بتوفير خيام وكرفانات لحمايتهم من أضرار الشتاء.
وبدعم أمريكي ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر2023، إبادة جماعية بغزة خلفت أكثر من 148 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
وتواصل إسرائيل مجازرها متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.