ما يبعث على الأمل هو النقاش الدائر بين رواد وسائل التواصل الاجتماعي حول قضية الوحدة. رغم تباين مواقفهم في معالجة هذه الإشكالية، إلا أن حقيقة الحديث عنها بحد ذاته مؤشر إيجابي يبعث على التفاؤل. إن وضعهم الإصبع على مكمن الداء الذي ينخر جسد الأمة في ظل التشرذم، وتوحش الآلة الصهيونية، وتجاوزها كل القيم والقوانين الدولية، لهو دليل على وعي متزايد بضرورة مواجهة هذا الواقع الأليم.
تشخيص الباثولوجيا الاجتماعية للأمة جاء موفقًا في الإشارة إلى أن غياب الوحدة هو السبب الأساسي لهذه الحالة المأساوية. وقد رأى بعض الشباب على منصات التواصل الاجتماعي أن القوة تكمن في الوحدة، مؤكدين ضرورة تجاوز التنظير غير المجدي والتركيز على البحث عن الآليات الفعّالة لتحقيق الوحدة عمليًا. بالمقابل، يرى آخرون أن عوامل الوحدة غير متوفرة حاليًا، متذرعين بخطاب طائفي وأطروحات سياسية مؤدلجة تجعل الوحدة في نظرهم حلمًا مستحيلًا.
بئست تلك الإيديولوجيات التي تتشبث بعقيدتها الضيقة وتكرس نزعتها الإقصائية على حساب مصلحة الأمة. في المقابل، يظهر أعداء الأمة نموذجًا للوحدة المتكاملة، كما يتجلى في تحالف الكيان الصهيوني مع القوى الاستكبارية الغربية. ومن المفارقات المؤلمة أننا نرى وحدة الغرب رغم تنوعهم العرقي واللغوي والديني، ورغم الصراعات التاريخية العميقة بينهم، في حين تستمر الأمة في التشرذم والانقسام.
إن الوحدة بين مكونات الأمة ليست مستحيلة، لكنها تتطلب إرادات صادقة تعمل على توحيد الكلمة، وتحرير الذهنيات من العمى الأيديولوجي. الوحدة تتحقق عندما يتحول النقد من معاول هدم إلى أدوات بناء، ويتوجه إلى تطوير الأفكار الداعمة للتحرر والتقدم، بدلاً من تحطيم المبادرات البناءة التي تسعى إلى لملمة جراح الأمة.
القراءة الفاحصة للمشهد العربي والإسلامي تكشف عن ضرورة التخلص من الخطابات الطائفية والإيديولوجية التي تعزز الإقصاء وتعمق الانقسامات. نحن في عصر الرقمنة والمجتمعات المفتوحة، وهي فرص عظيمة للتواصل وتذليل الحواجز إذا تم استثمارها بحكمة.
رغم التحديات، تبقى الحقيقة راسخة: النصر قادم، لكنه يتطلب عملًا جادًا ومبتكرًا. تحقيق التغيير يستلزم استنهاض الطاقات وتوحيد النوايا واستقطاب الإرادات القوية، مع تصفية الساحة من معاول الهدم التي تعرقل أي تقدم. بدلاً من الوقوع في فخ القضايا الهامشية التي تشتت الجهود، علينا التركيز على الأسئلة الجادة والمصيرية: هل نقبل بهذا الواقع؟ ما الذي يمكننا تعلمه من تجربة المقاومة بغزة؟ كيف نبني رؤية استراتيجية لتحقيق أهدافنا المشتركة؟
الوحدة ليست مجرد حلم، بل إمكانية قابلة للتحقق إذا توافرت الشروط اللازمة، ومنها التواضع الجماعي والابتعاد عن الأنا، والعمل على تبسيط الخطاب وتقريب وجهات النظر المختلفة. الخطاب الواضح والبسيط له قوة جذب عظيمة في تحويل الأفراد إلى جزء من المشروع التغييري.
في المحصلة، الطريق إلى النجاح يكمن في العمل الجماعي والرؤية المشتركة. إن الشعوب التي توحدت حول أهدافها واستخلصت نواياها حققت تغييرات جذرية في أوضاعها. لا ننكر بأن التحديات كثيرة، لكن الإرادة القوية قادرة دائمًا على تجاوزها.