إذا كنت لا تتقن إنشاء شركات أو مقاولات، تدخل بها سوق الاستثمار والتنافس لتحقيق العائدات المادية المطلوبة وفق الكفاءة والمهنية، فإن هناك بعض الطرق المختصرة لتحقيق أرباح مالية دون أتعاب أو مشاكل مالية، إذ يكفي توفرك على علاقات حزبية أو عائلية أو مصلحية لتستفيد من صرف الملايير من المال العام، من قبل أحزاب سياسية ومجالس منتخبة ومؤسسات عمومية على مكاتب دراسات لإنجاز برامج عمل بعضها يبقى دون تنزيل بمبرر إكراهات التمويل، والبعض الآخر يتعلق بتكوينات ودراسات أغلب معلوماتها مستهلكة ومعروفة.
مناسبة هذا الكلام تتعلق بانتشار ريع مكاتب الدراسات، حيث أصبح الأمر أشبه بموضة، تبدأ بتشكيل مقربين من مسؤولين ومنتخبين لمكاتب دراسات، وبعدها الفوز بصفقات عمومية وتنظيم معلومات ومعطيات ميدانية، تقدمها المؤسسة المعنية في الغالب، ويتم تحريرها وتنظيمها على شكل تقارير لتشكل بذلك مشروعا يستوجب دفع مقابل إنجازه من المال العام.
لقد عرت تقارير مجلس الحسابات على غموض فوز مكاتب دراسات بصفقات عمومية رغم غياب التجربة والمعايير المطلوبة، فضلا عن التزام أحزاب بإنجاز مهام دراسات أو أبحاث في مجالات اقتصادية واجتماعية وبيئية ومؤسساتية، بكلفة مالية قدرت بالملايير، غير أنها لم تدل بما يثبت لجوءها للمنافسة الشريفة لانتقاء الخبراء المؤهلين لإنجازها.
إن اللجوء إلى مكاتب الدراسات في إنجاز برامج العمل الخاصة بالمجالس المنتخبة، كشف عن قنوات أخرى للريع، حيث يتم إنجاز الدراسات من المال العام والتصويت على برامج العمل، التي تعتمد على معلومات صادرة عن أقسام الجماعات المعنية، وفي نهاية المطاف لا يتم تنزيل أبرز المشاريع بمبرر الإكراهات المالية وتخبط الميزانيات في العجز وتراكم الديون.
هناك من البرلمانيين من قام بإنشاء مكاتب دراسات واستطاع، بفضل العلاقات مع مديري مؤسسات عمومية، احتكار تقديم تكوينات لفائدة الموظفين، والاستفادة من صفقات عمومية وسندات الطلب، وكل ما سبق يتم تحت غطاء قانوني واستبعاد شبهات الأسماء وتضارب المصالح، علما أن الكواليس يكون جل المرتبطين بالمؤسسات المعنية يعرفونها جيدا ولا يستطيعون الكلام خوفا من الانتقام وسلطة الإدارة.
يجب على المجالس المنتخبة الالتزام بتوجيهات وملاحظات مجلس الحسابات، والعمل على ضبط اختيار مكاتب الدراسات وفق القوانين ومعايير تكافؤ الفرص، وعدم اللجوء إلى مثل هذه الصفقات إلا في الحالات التي تستوجب ذلك بالفعل، ناهيك عن تدارك تطرق تقارير مجلس الحسابات لعدم إدراج معيار التجربة والخبرة في التخطيط الاستراتيجي الترابي ضمن مقاييس تقييم عروض مكاتب الدراسات المعنية بإعداد برامج التنمية.