شهدت الأوساط السياسية والإعلامية جدلاً واسعاً عقب بثّ القناة الثانية المغربية (دوزيم) لفيديو دعائي، اعتبرته المعارضة “استغلالاً سياسياً للموارد العمومية” في الترويج لإنجازات الحكومة.
الفيديو الذي يحمل عنوان “إنجازات حكومية كبيرة تمَّ إنجازها من أجل الوصول للمغرب للي بغيناه سنة 2030 ومازال طموحنا أكبر”، أثار انتقادات لاذعة، لا سيما من قبل فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، حيث وجه رئيس الفريق النيابي، رشيد حموني، سؤالاً كتابياً إلى وزير الشباب والثقافة والتواصل، يطالب فيه بتوضيحات بشأن “تمويل وإنتاج وترويج هذا العمل الدعائي”.
خلط بين “المشترك الوطني” والسياسي
يرى حموني أن الفيديو “يخلط بشكل مقصود” بين الرموز الوطنية والإنجازات الحكومية، مشيراً إلى أن الشريط يبدأ بالإشادة بإنجاز المنتخب المغربي في كأس العالم 2022 وينتهي بصورة تحمل شعار المملكة. وبين هاتين اللقطتين، يتم استعراض ما اعتبرته الحكومة “منجزات كبرى”، وهو ما اعتبره المعارضون “أوهاماً” لا تعكس الواقع، مستشهدين بملفات مثل التعليم، ودعم السكن، وبرنامج “فرصة”، والتغطية الصحية، التي أُثيرت بشأنها انتقادات واسعة من مؤسسات رسمية وأوساط شعبية.
وأضاف حموني في سؤاله أن الفيديو “يُقدّم رسالة ضمنية مفادها أن الحكومة الحالية هي الخيار الأنسب لقيادة المغرب حتى مونديال 2030″، ما يجعله، وفق تعبيره، “أداة ترويجية لتيار سياسي بعينه، وليس عملاً تواصلياً محايداً”.
تشكيك في تمويل الفيديو
إحدى النقاط التي أثارت جدلاً في البرلمان المغربي هي مصدر تمويل الفيديو، حيث طالب حموني بالكشف عن الجهة التي موّلت إنتاجه وبثّه، وما إذا كانت الأموال العمومية قد استُخدمت في ذلك، مؤكداً أن “المعطيات الأولية تفيد بأن العمل تمّ إنجازه من المال العام”. كما تساءل عن الجهة التي أشرفت على إنتاج الفيديو، وهل تم ذلك عبر صفقة رسمية تحترم معايير الشفافية أم عبر إجراءات غير معلنة؟
مخاوف من “التوجيه الإعلامي”
في سياق متصل، تساءل حموني عن مدى التزام القناة الثانية بالقوانين المنظمة للبث السمعي البصري، خاصة القانون 77.03 الذي يمنع الإشهار السياسي عبر القنوات العمومية، ويُلزم وسائل الإعلام الوطنية بالحياد والتعددية.
كما أشار إلى دفتر تحملات القناة، الذي يفرض عليها تقديم “محتوى متعدد المصادر وصادق ومتوازن”، متسائلاً إن كان بث هذا الفيديو “يخالف هذه المعايير ويحوّل الإعلام العمومي إلى وسيلة لخدمة أجندة سياسية معينة”.
الحكومة تلتزم الصمت
حتى الآن، لم تصدر الحكومة المغربية أي تعليق رسمي على الجدل المثار حول الفيديو، كما لم يردّ وزير الشباب والثقافة والتواصل على سؤال حموني. لكن مصادر قريبة من الأغلبية الحكومية ترى أن “الحملة ضد الفيديو تعكس حساسية المعارضة تجاه أي تواصل حكومي ناجح”، معتبرةً أن الشريط لا يهدف إلى “الدعاية الانتخابية بقدر ما يسعى إلى إبراز المشاريع والإنجازات التي تحققت خلال الفترة الماضية”.
ورغم أن بث الفيديو قد يبدو في ظاهره “جزءاً من سياسة تواصلية”، فإن توقيته ومضمونه جعلاه مادة دسمة للنقاش السياسي، حيث يعتبره منتقدوه “محاولة للالتفاف على النقاش الديمقراطي”، بينما يرى المدافعون عنه أنه “أداة ترويجية مشروعة للحصيلة الحكومية”.
وبين هذا وذاك، يبقى السؤال الأهم: هل سيؤدي هذا الجدل إلى مراجعة دور الإعلام العمومي في المشهد السياسي المغربي، أم أن الأمر لن يتجاوز كونه حلقة جديدة من التجاذبات الحزبية المعتادة؟