كشف الرئيس المدير العام للوكالة المغربية للطاقة المستدامة “مازن”، طارق أمزيان مفضل، عن تفاصيل “انتقاء 5 فاعلين وطنيين ودوليين كبار، حاملين لستة مشاريع بقيمة مالية استثمارية تصل إلى 319 مليار درهم، في أفق إطلاق المفاوضات معهم لإنجاز مشاريع الهيدروجين الأخضر بالمغرب.
وتنضاف هذه المشاريع الستة إلى المشروعين اللذين تضمنتهما الاتفاقيتان اللتان تم التوقيع عليهما، أمام الملك محمد السادس، والرئيس الفرنسي السيد ايمانويل ماكرون، في أكتوبر 2024 بالرباط، حيث تنص الأولى على تفعيل “عرض المغرب” من أجل تطوير قطاع الهيدروجين الأخضر، وتجمع بين الدولة المغربية ومجموعة “طوطال اينيرجي”. فيما تتعلق الاتفاقية الثانية بالتنمية المشتركة بين المكتب الشريف للفوسفاط وشركة “انجي”، وتشمل خمسة مشاريع، من ضمنها مشروع يخص “الهيدروجين الأخضر”.
وتحدث مدير “مازن” في حوار خاص مع جريدة “العمق المغربي” عن اعتماد معايير دقيقة وصارمة لاختيار المستثمرين، ضمنها اشتراط التوفر على خبرة في مختلف مراحل سلسلة القيمة المضافة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، ومدى توافق المشاريع المقدمة مع احتياجات المغرب، إضافة إلى الأثر الإيجابي الذي يمكن أن تحدثه على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بالمملكة.
وقدّم طارق أمزيان مفضل معطيات جديدة حول كلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر بالمملكة، وحول مساهمته في التخفيف من حدة المشاكل المرتبطة بالتغيرات المناخية في سياق مواجهة المغرب للجفاف. كما أبرز المزايا الخاصة التي يتيحها الهيدروجين الأخضر بالمقارنة مع باقي مصادر الطاقات المتجددة، مسجلا وعي الوكالة المغربية للطاقة المستدامة “مازن”، بالتحديات التي يواجهها هذا المشروع الكبير وكيف يمكن تجاوزها.
وفيما يلي نص الحوار:
1- ما هي المعايير المعتمدة في اختيار هؤلاء المستثمرين من بين 40 عرضًا تلقتها المملكة؟
بفضل توجيهات الملك محمد السادس، ومشروع “عرض المغرب” في مجال الهيدروجين الأخضر، نجحنا في جذب عدد كبير من المستثمرين والمشاريع الواعدة. وحرصًا على اختيار الشركاء الأكثر انسجامًا مع المصالح الاستراتيجية للمغرب في هذا القطاع الناشئ، قامت هيئات الحكامة، المُحدثة بموجب دورية رئيس الحكومة، بوضع معايير اختيار دقيقة وصارمة. وتتضمن هذه المعايير، من بين جوانب أخرى، القوة المالية للشركاء، خبرتهم في مختلف مراحل سلسلة القيمة المضافة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، مدى توافق مشاريعهم مع احتياجات المغرب، إضافة إلى الأثر الإيجابي الذي يمكن أن تحدثه على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ببلادنا.
تم اختيار الشركاء وفق مبدأ أساسي يقوم على تنويع وتوزيع المخاطر، مع ضمان تحقيق التوازن في التوزيع الجهوي للمشاريع، وتنويع الأسواق المستهلكة للهيدروجين الأخضر، وتوسيع نطاق المنتجات النهائية المقترحة. وقد وقع الاختيار على الشركات التي استوفت هذه المعايير بأفضل شكل ممكن.
وهنا لابد من الإشارة، إلى أن عملية اختيار المستثمرين ضمن “عرض المغرب” للهيدروجين الأخضر لا تزال مستمرة.
2- برأيكم هل تبقى كلفة الإنتاج بالمملكة تنافسية؟
يعتبر الهيدروجين الأخضر المغربي من بين الأكثر تنافسية عالميًا، بفضل توفر الموارد المتجددة، وقربه من الأسواق الرئيسية للاستهلاك، بالإضافة إلى البنية التحتية المتوفرة.
فضلاً عن ذلك، تعتمد تنافسية تكلفة الإنتاج في المغرب على نهج متكامل يشمل جميع مراحل منظومة القيمة للهيدروجين الأخضر. ويغطي عرض المغرب المشاريع المتكاملة التي تمتد من إنتاج الكهرباء المتجددة وعملية التحليل الكهربائي، وصولًا إلى تحويل الهيدروجين إلى مشتقات مثل الأمونياك، والوقود الإلكتروني، الفولاذ المنتج من طاقة متجددة، مع دمج الخدمات اللوجستية المرتبطة بها. ويحتاج إنتاج كل غيغاواط من الطاقة النظيفة أكثر من مليار درهم، مع الأخذ بعين الاعتبار آليات التحليل الكهربائي، وتكلفة منشآت تحلية مياه البحر، وحقول الطاقة المتجددة، ومصانع التحويل وتكلفة التخزين والنقل.ويساهم هذا النهج في تحسين التكلفة من خلال الاستفادة من تنويع المنتجات وتعزيز جاذبية القطاع في الأسواق الدولية.
علاوة على ذلك، تركز المشاريع المؤهلة على تحقيق معدل عالٍ من الاندماج الصناعي لتعزيز نسبة المحتوى المحلي، مما يساعد على خفض التكاليف مع دعم التنمية الاقتصادية على المستوى الجهوي. جميع هذه العناصر الاستراتيجية تساهم في ترسيخ مكانة المغرب كمنافس قوي في مجال الهيدروجين الأخضر.
3- كيف يمكن للهيدروجين الأخضر أن يسهم في الحد من آثار التغيرات المناخية، ضمن استراتيجية المغرب لمواجهة تحديات الجفاف؟
سيلعب الهيدروجين الأخضر دورًا محوريًا في الحد من آثار التغيرات المناخية ومكافحة الجفاف في المغرب من خلال الانتقال إلى بدائل مستدامة للطاقة الأحفورية، بحيث سيساهم الهيدروجين الأخضر في تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، مما سيساعد على الحد من الاحتباس الحراري، الذي يعد عاملًا رئيسيًا في تفاقم ظاهرة الجفاف.
ماهي المزايا الخاصة التي يتيحها الهيدروجين الأخضر بالمقارنة مع باقي مصادر الطاقات المتجددة؟
الهيدروجين الأخضر يتميز عن باقي مصادر الطاقات المتجددة بعدة مزايا رئيسية. حيث يعتبر ناقلًا للطاقة، يوفر مرونة كبيرة وتنوعًا في الاستخدام، خاصة من خلال تحويله إلى مشتقات مختلفة. وبهذا الشكل، يسمح بإزالة الكربون مباشرة في العديد من الاستخدامات، مثل الصناعة، والنقل، وإنتاج الكهرباء.
وفي هذا الإطار، يلعب الهيدروجين الأخضر دورًا فعالا في الحد من انبعاثات الكربون في القطاعات التي يصعب الاعتماد فيها على الطاقة الكهربائية، مثل إنتاج الفولاذ أو الوقود الصناعي.
4- ما هي التحديات التي يواجهها هذا المشروع الرائد، وما السبل الكفيلة بتجاوزها؟
يُوفر هذا المشروع الطموح العديد من الفرص والحلول لبناء مستقبل واعد:
البنية التحتية والخدمات اللوجستية: تتيح عملية إنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر إمكانات هائلة لتطوير بنى تحتية حديثة، تشمل محطات التحليل الكهربائي، وشبكات النقل، ووحدات التخزين. ويُسهم ذلك في استقطاب استثمارات كبرى وتعزيز الشراكات الدولية، مما يدعم النمو المستدام لهذا القطاع الاستراتيجي.
تكلفة الإنتاج والتنافسية: الانخفاض المستمر في تكاليف إنتاج الهيدروجين الأخضر سيعزز من قدرته التنافسية. ومع التطور المتواصل للتقنيات والاستفادة من التطور الاقتصادي للتوسع في الإنتاج، سيزداد كفاءته الاقتصادية وسهولة تبنيه على نطاق أوسع.
الإطار التنظيمي وجاذبية الاستثمار: عمل المغرب على تطوير بيئة تنظيمية مواتية لاستقطاب الاستثمارات، من خلال سياسات واضحة ومتكاملة، تتجسد في التوجيهات الاستراتيجية لمشروع “عرض المغرب” ويعزز ذلك طموحه في أن يصبح رائدًا إقليميًا وعالميا في مجال الهيدروجين الأخضر.
قطاع مستقبلي يعتمد على تآزر الفاعلين: يعتمد تطوير الهيدروجين الأخضر على تعاون وثيق بين جميع الأطراف المعنية. وقد وضعت الجهود المشتركة المبذولة حتى الآن أسسًا قوية لمواجهة التحديات القادمة وتسريع نمو هذه الصناعة الواعدة.
5- بعد انتقاء هؤلاء المستثمرين ماهي المرحلة المقبلة في إطار التعاطي مع هذه المشاريع؟
ستُباشر المفاوضات مع المستثمرين الذين تم اختيارهم، وبمجرد التوصل إلى اتفاق شامل حول جميع البنود، ستُفضي هذه المفاوضات إلى توقيع عقد أولي لحجز الوعاء العقاري، يتم إبرامه بين المستثمر والدولة المغربية. حيث ستحرص الدولة من خلال الإطار التعاقدي الذي يجمعها بحاملي المشاريع، على حماية وضمان حسن استخدام الوعاء.
وعند انتهاء هذه العقود الأولية، وفي حال التزام الأطراف بتعهداتها، ستُجرى مفاوضات نهائية بين المستثمر والدولة المغربية بهدف إبرام اتفاقية للدراسات المتقدمة.
وكما تم الإشارة سابقًا، لا تزال عملية اختيار المستثمرين في إطار عرض المغرب للهيدروجين الأخضر مفتوحة، مع إمكانية إطلاق مراحل جديدة من الانتقاء في المستقبل القريب.