في ظل الأزمة الاقتصادية التي تضرب العديد من الدول، يعاني قطاع المقاولات الصغرى والمتوسطة في المغرب من تحديات كبيرة تهدد استمراريته وتطور أعماله.
شركات هذه الفئة، التي تمثل العصب الحيوي للاقتصاد الوطني، تجد نفسها محاصرة بالديون المتراكمة والمستحقات المتأخرة، ما يعطل قدراتها على الوفاء بالتزاماتها المالية ويعرقل مسيرتها التنموية.
في هذا السياق، باتت شركة “البناؤون الشباب”، المملوكة لرئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، شكيب لعلج، أبرز مثال على معاناة المقاولات الصغرى.
حيث يواجه أكثر من 3000 عامل وأجير تابعين لشركات صغيرة ومتوسطة مصيرًا غامضًا، بسبب امتناع هذه الشركة عن تسديد الديون المستحقة لصالح هذه المقاولات.
وحسب الشهادات التي قدمها عدد من المسؤولين في تلك الشركات، فإن المستحقات المتأخرة تصل في بعض الحالات إلى ما يفوق 8 ملايين درهم، مما يعمق الأزمة المالية التي تعيشها هذه الشركات، ويؤدي إلى انهيار بعض منها.
في ندوة صحفية عقدت يوم أمس الجمعة في الدار البيضاء، عبر عبد الله الفركي، رئيس الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغرى والصغيرة والمتوسطة، عن قلقه من تنامي هذه الظاهرة التي أضحت تهدد استقرار آلاف المقاولات.
وقال الفركي إن سلوك المماطلة في دفع المستحقات أصبح شائعًا، خاصة من قبل الشركات الكبرى التي تعتمد على أسلوب “كاش بولينغ”، حيث يتم تجميع سيولة مالية بين عدة شركات تابعة لمجموعة واحدة، مما يؤدي إلى امتصاص موارد الشركات الصغيرة، وبالتالي تعطيل قدرتها على الوفاء بالتزاماتها.
وتضاف هذه المشكلة إلى مشاكل أخرى عديدة تواجه المقاولات الصغيرة والمتوسطة، منها ضعف التمويل، وصعوبة الولوج إلى القروض البنكية، بالإضافة إلى قلة الفرص لتوسيع الأسواق والتصدير.
ورغم الوعود الحكومية المتتالية بتحسين بيئة الأعمال، إلا أن الواقع يظل صعبًا، مع استمرار الوعود التي لم تجد طريقها إلى التنفيذ.
في هذا الصدد، أشار الفركي إلى أن الكونفدرالية وجهت عدة مراسلات إلى الحكومة والمجلس الأعلى للحسابات، وحتى الاتحاد العام لمقاولات المغرب، ولكن دون جدوى.
من جهة أخرى، فقد كشف بعض المقاولين المتضررين عن أن امتناع شركات كبيرة مثل “البناؤون الشباب” عن دفع مستحقاتهم أدى إلى مضاعفة المشاكل التي يواجهونها، ومنها التراكم الكبير للديون، وصعوبة تسديد الضرائب والمساهمات الاجتماعية، ما جعل العديد منهم مضطراً للإغلاق أو تقليص نشاطاته.
وفي سياق التشريع والتمويل، يطالب رئيس الكونفدرالية بتفعيل مرسوم الصفقات العمومية الذي يخص تخصيص 20% من الصفقات لفائدة المقاولات الصغرى والمتوسطة، والذي ظل معلقًا منذ عام 2013.
وأكد أن هذا الموضوع كان محل نقاش مع وزيرة الاقتصاد والمالية، لكن لم يتم اتخاذ خطوات عملية لتحقيق هذا المطلب.
أما على مستوى القطاع البنكي، فالشركات الصغيرة تجد نفسها محاصرة في دائرة مغلقة؛ فالبنوك لا توفر التمويل اللازم لتغطية التزامات هذه الشركات بسبب المخاطر المالية المرتبطة بحالات عدم الأداء.
وقد دفعت هذه الوضعية بعض الشركات إلى اللجوء إلى مصادر تمويل بديلة أو حتى التوقف عن العمل.
وبالرغم من الإجراءات الحكومية المعلنة، إلا أن المقاولات الصغيرة والمتوسطة تواصل مواجهة صعوبات بالغة، وأعداد الشركات المفلسة في تزايد مستمر.
من المتوقع أن يصل عدد هذه الشركات إلى 40 ألفًا بنهاية هذا العام، وهو ما يعد مؤشرًا خطيرًا على تدهور الوضع الاقتصادي لهذه الفئة.
وفي آخر جلسة للأسئلة الشفهية بمجلس النواب، أشار النائب البرلماني عبد النور الحسناوي إلى أن الحكومة لم تنجح في تحويل وعودها إلى إجراءات ملموسة لحل مشاكل هذه المقاولات، كما انتقد مشروع قانون المالية 2025 لعدم تقديمه الحلول الكافية لمعضلة التمويل والتصدير.
كما دعا إلى تعزيز البرامج الداعمة للمقاولات الصغيرة، وتوسيع فرصها في الأسواق العالمية.
من جانبه، طالب رئيس الفريق الحركي، إدريس السنتيسي، ببرامج شاملة تدعم المقاولات الصغيرة وتساعدها على تجاوز أزمتها. ورأى أن الحكومة يجب أن تبادر إلى توفير الدعم المالي اللازم لضمان استمرارية هذه الشركات.
وبدورها، دعت النائبة حياة لعرايش الحكومة إلى الاستفادة من التحولات الإيجابية في ملف الصحراء المغربية لتوجيه سياسات التجارة الخارجية نحو دعم المقاولات الصغرى.
وأكدت أن اتفاقيات التبادل الحر التي كانت تهدف إلى تعزيز الاقتصاد الوطني، تحولت في العديد من الحالات إلى تهديد لهذه الشركات بسبب منافسة غير عادلة من الخارج.
من خلال هذه الانتقادات المتعددة، يظهر بوضوح أن الوضعية الصعبة للمقاولات الصغرى في المغرب ليست مجرد قضية اقتصادية فحسب، بل تحمل أبعادًا اجتماعية وسياسية تتطلب إجراءات جادة وعاجلة لإنقاذ هذا القطاع الذي يجب يشكل ركيزة أساسية للنسيج الاقتصادي.