الدستور هو أعلى وثيقة قانونية في الدولة، والدستور يتضمن قواعد قانونية تحدد شكل الدولة «دولة اتحادية أم دولة موحدة»، وشكل نظامها السياسي «ملكي أو جمهوري»، ويبين طبيعة العلاقة بين السلطات الثلاث، إضافة إلى أنه ينظم السلطات العامة ويبين طريقة تكوينها ويحدد اختصاصاتها، وينظم العلاقة فيما بينها، ومع الأفراد. والدستور هو الذي ينشئ السلطات العامة في الدولة. وينص الدستور على الحقوق والحريات العامة للأفراد، ويبين أهم الواجبات المفروضة عليهم في المجتمع، وينص على الضمانات الضرورية لصيانة هذه الحقوق والحريات. والدستور هو الذي يحدد الفلسفة التي يتبناها نظام الحكم والهدف الذي يسعى لتحقيقه.
دائما ما يدور جدل واسع ولغط عندما يتم اسقاط نظام سياسي معين ، الكل يتحدث يجب وضع دستور لتحديد طبيعة الحكم وصلاحية الحاكم وكذلك تقييدها حتى لا يتم الوقوع في نفس الخطأ السابق ويتغول الحاكم ويصعب تحييده من السلطة إلا بعد سنوات من الشد والجدب، وهو من نراه اليوم في سوريا، بعد إسقاط نظام الأسد، والسيطرة على السلطة في البلاد من طرف الجولاني، الكل بدأ يتحدث عن دستور للبلاد، لذلك تم إطلاق ما يسمى بالحوار الوطني.
مبادرة أطلقتها القيادة في سوريا، التي تولت الحكم عقب الإطاحة بالرئيس المخلوع بشار الأسد في 8 ديسمبر2024، تهدف إلى جمع مختلف أطياف المجتمع السوري في مؤتمر حواري، يسعى إلى الخروج بتوصيات عن قضايا رئيسية، أبرزها صياغة الدستور، ليتم تقديم مقترحات بشأنها إلى الرئيس السوري أحمد الشرع.
بعد نهاية الجولات الماراطونية لمؤتمر الحوار الوطني الذي سيتم الخروج منه بتوصيات، وتسليم التوصيات الى الرئيس السوري، الذي بدوره قام بتعيين لجنة لصياغة الإعلان الدستوري، الكل بدأ يخمن ماذا سيتضمن هذا الإعلان الدستوري، هل ستتضمن بعض مواده، دين الدولة، ام دين رئيس الجمهورية، أم أنه سيتم السكوت عن دين الدولة ودين رئيس الجمهورية، لكن بمجرد إعلان عن أبرز مواد الإعلان الدستوري، حتى هرعت الأقلام لتكتب وتنتقد مواد هذا الاعلان، لانه اعلان لا يلبي طموحات السورين، وإنما كل مواده ما هي إلا نسخ لمواد دستور 1973 الذي أصدره حافظ الأسد، ودستور 2012 الذي أصدره ابنه بشار الأسد.
وقد دار جدل حول دور الدين والفقه الإسلامي في مواد الإعلان الدستوري لسوريا من خلال التعبير عن قضية خلافية سورية داخلية بين تيارين متناقضين، يرى التيار الأول ضرورة تحديد الاسلام كدين رسمي للدولة أو تحديد دين رئيس الجمهورية كباقي الدساتير السابقة والسير على نهجها واعتبار الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع . أما التيار الآخر فيرى أنه لا ضرورة لتحديد دين للدولة في الدستور كونها ليست شخصا طبيعيا، وكذلك لا ضرورة لتحديد دين رئيس الجمهورية كما ويطالب بعدم الاشارة للفقه الإسلامي كمصدر من المصادر الرئيسية للتشريع.
ومن خلال دساتير بعض الدول نجد أن من بين عشرين دستور لدول اسلامية أن ثمانية عشرة دولة منها قد حددت في دستورها أن دين الدولة هو الإسلام بصيغة أو بأخرى. فحددت مصر مثلا في دستورها أن دين الدولة هو الإسلام بالنص الواضح، فيما حدد دستور موريتانيا أن الإسلام هو دين الشعب، وحدد دستور السودان أن الإسلام هو دين غالب السكان، أما دستور سوريا فقد حدد أن الإسلام هو دين رئيس الجمهورية دون تحديد دين للدولة. واكتفى دستور أندونيسيا بالاشارة الى ان الدولة تقوم على الاعتقاد بوجود إله واحد وحيد، أما الدستور اللبناني وبالعودة الى اتفاقات الطائف فقد اكتفى بتحديد دين رئيس الدولة على أنه يجب أن يكون مسيحي ماروني على أن يكون رئيس الوزراء مسلم سني. لم تحدد دساتير لدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا دينا للدولة. وأشارت فرنسا في دستورها أن فرنسا جمهورية علمانية ديمقراطية اجتماعية. كذلك فعلت دساتير ساحل العاج وتركيا، وبهذا لم يتم تحديد دين معين للدولة وتم فصل الدين عن الدولة واعتبار كل منهما مؤسسة قائمة بذاتها لها نظامها الخاص بها.
عود على بدء سنحاول الحديث عن أبرز مادة في الإعلان الدستوري لسوريا وهي المادة الثالثة التي تتناول دين رئيس الجمهورية ، انطلاقا من أحكام الباب الأول الذي جاء معنونا بهذا الشكل الباب الأول: أحكام عامة وقد جاء في مادته الثالثة في الفقرة الأولى : دين رئيس الجمهورية الإسلام، والفقه الإسلامي هو المصدر الرئيس للتشريع.
الفقرة الثانية : حرية الاعتقاد مصونة، وتحترم الدولة جميع الأديان السماوية، وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها على ألا يُخلّ ذلك بالنظام العام.
ما يلاحظ في المادة الثالثة في فقرتها الأولى أنه تم تضمين نصوص تمييزية بين المواطنين، من خلال التنصيص على أنّ الإسلام دين رئيس الجمهورية، من ناحية، لكنه في المادة 10: نجد المشرع لهذا الاعلان الدستوري يتناقض مع نفسه بحيث يؤكد في هذه المادة بصريح العبارة من ناحية أخرى:
“المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات، من دون تمييز بينهم في العرق أو الدين أو الجنس أو النسب”.
أين هي المساواة هنا، لا نراها بل كل ما نراه انه هناك عنصرية مقيتة تجاه أبناء الوطن السوري غير المسلمين المنتمين الى ديانات اخرى، أليس من حقهم ان يصلوا الى السلطة، اليس من حق المسيحي ان يتبوأ مركز الرئاسة؟ هذه موانع يتم تضمينها داخل الدستور لقطع الطريق على غير المسلمين الوصول الى سدة الرئاسة السورية.
عندما نحدد دين من سيكون رئيسا للجمهورية او من سيترشح للرئاسة الجمهورية، بدلك نحدّ من الطابع المدني للدولة، وننسف مبدأ المساواة بين المواطنين، لا سيما بين المسلمين وغيرهم، وأن المساواة المزعومة التي تم تضمينها في الاعلان الدستوري ما هي الا ضربا من الخيال، لماذا سنحدد دين رئيس الجمهورية ما دام البلد فيه تنوع عرقي وثقافي وديني اذا هنا سنحاول ان نغلب دين على اخر، اذا اشترطنا دين المترشح لرئاسة الجمهورية، فهذا تكتيك تلجأ إليه السلطات في الدول التي تفتقر إلى الديمقراطية وتداول السلطة بطرقها السلمية، فغالبًا ما يؤرقهم الدّين والمعتقد أو المذهب، ويرون في إثباته أو الأكثر تدينًا الخطر الأكبر على استمراريتهم في السلطة، ومن هنا؛ يسعون جاهدين لاتخاذ المعتقد وسيلة لحشد جهود أتباعهم من نفس الدين والمذهب، سواء كان علمانيًا أو إسلاميًا، لتقوية وجودهم في السلطة، وإن انتهى الأمر لنزاع ديني ومذهبي، بل إن بعض الدكتاتوريات تحرص على إثارة مثل هذه النزاعات كوسيلة للاحتفاظ بالسلطة أو الاستمرار فيها، يكفي الاضطلاع على شروط رئيس الدولة في الأنظمة المدنية المعاصرة لا تتجاوز أمورًا أقرب إلى الشكلية ونوعًا من الروتينية، فعلى سبيل المثال، نجد أن أغلب الدساتير المدنية تشترط السن الذي لا يقل عن الأربعين، وتمتع المرشح بجنسية البلد الذي يطمح لرئاسته، وكذلك التمتع بممارسة الحقوق السياسية فلا يكون محرومًا منها، اذا لماذا لا بد من اشتراط دين معين لترؤس البلد؟ الدساتير التي نصت على دين رئيس الدولة، نجد الدستور السوري لسنة 2012، من بين الدساتير العربية في النص على دين رئيس الدولة، فقد نصت المادة (3/1) على أن (دين رئيس الجمهورية الإسلام) ، وكذلك مواد الإعلان الدستوري السوري لهذا العام الذي نص في المادة 3: من الفقرة الأولى : دين رئيس الجمهورية الإسلام، وهو ما نلاحظ أنه ما هو إلا نسخ لمواد دستور 2012 ، في الوقت الذي ذهب فيه الاتجاه الغالب من الدساتير العربية إلى النص على دين الدولة (الإسلام) مع الإشارة إلى أن المسلمين في كل البلاد العربية يمثلون غالبية شعب الدولة، ما يعني بالضرورة أن دين رئيس الدولة لا بد من أن يكون من دين الدولة الإسلام.
إنّ بناء دولة القانون والمواطنة يوجب استئصال كلّ أوجه التمييز، ومنها إلغاء تحديد دين رئيس الجمهورية في الإعلان الدستوري.
ختاما نطرح مجموعة من الأسئلة نود من القاريء الكريم الإجابة عليها : ما الفرق بين دين الدولة؟ ودين رئيس الجمهورية؟ هل للدولة دين معين تتبعه؟ هل الدولة تقوم بطقوس عباداتية؟ هل الدولة تصلي وتصوم كباقي البشر؟ هل كائن اصطناعي اعتباري يؤدي طقوس دينية؟