الأحد, مارس 9, 2025
Google search engine
الرئيسيةالشامل المغربيدول مونديالية.. حلم تحول إلى كابوس بأرض السامبا

دول مونديالية.. حلم تحول إلى كابوس بأرض السامبا


كأس العالم، المونديال، أو كما شئت أن تسميه، يبقى الحدث الرياضي الأكثر تأثيرًا على الدول المضيفة رياضة واقتصاديًا.

وتتفاوت التجارب بين الدول التي استغلت الفرصة لتحقيق مكاسب ضخمة، ومن تعرضت لتحديات مالية خلفت آثارا طويلة الأمد.

ويثير تنظيم كأس العالم سيلاً من الأسئلة حول مردوده الاقتصادي ومدى استدامته، فبينما تُجسد الملاعب الجديدة والأنشطة التجارية الصاعدة صورة ازدهار، يبقى التأثير العميق على الاقتصاد المحلي وصورة الدولة بعد البطولة أشبه بنغمة موسيقية تحتاج إلى فهم شامل.

وتزامنًا مع شهر رمضان الكريم، تقدم جريدة “مدار21” لقرائها ملفا شاملا من أربع حلقات، نرصد خلاله الأثر الاقتصادي لتنظيم كأس العالم على أربعة دول، بين نجاحات حققت مكاسب طويلة الأمد وإخفاقات تحولت إلى أعباء مالية، بدءا بتجربة البرازيل سنة 2014.

عندما فازت البرازيل بحق استضافة كأس العالم، كانت التوقعات تشير إلى أن البطولة ستكون فرصة ذهبية لتعزيز الاقتصاد، وتحسين البنية التحتية، وإظهار صورة مشرقة للبلاد على الساحة الدولية.

حكومة البرازيل، خصصت مليارات الدولارات لإنشاء وتجديد الملاعب وتطوير المواصلات والخدمات، على أمل أن تترك هذه الاستثمارات إرثًا طويل الأمد يعود بالنفع على الاقتصاد والمجتمع.

أحد أبرز الإشكالات التي ظهرت بعد انتهاء البطولة كان مصير الملاعب الضخمة التي تم تشييدها في مدن لا تمتلك أندية كبرى أو قاعدة جماهيرية كافية لدعمها ماليًا.

وتحولت هذه المنشآت، التي كلفت خزينة الدولة أموالًا طائلة، إلى ما يُعرف بمشاريع ”الفيل الأبيض”، أي مشاريع ضخمة بلا استخدام فعلي، مع تكاليف صيانة سنوية مرهقة، ما جعلها عبئًا بدلًا من أن تكون مصدر دخل مستدام.

وبعد انتهاء المونديال، واجهت الحكومة البرازيلية تحديات مالية كبيرة، إذ لم تحقق الإيرادات المتوقعة لتعويض الإنفاق الضخم.

هذا الوضع دفع الدولة إلى اتخاذ إجراءات تقشفية أثرت على قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة، ما أثار احتجاجات شعبية واسعة ضد طريقة إدارة أموال البطولة.

وبدلاً من أن يكون المونديال فرصة للنمو، وجد الاقتصاد البرازيلي نفسه في وضع أكثر صعوبة.

وخلال فترة التحضير لكأس العالم، ازدهرت بعض القطاعات مؤقتًا، مثل البناء والسياحة، مما خلق آلاف فرص العمل. لكن، مع انتهاء الحدث، اختفت هذه الوظائف سريعًا، ما أدى إلى ارتفاع البطالة، خاصة بين العمال غير المهرة.

وفي المقابل، أدى الإنفاق الحكومي الضخم خلال البطولة إلى زيادة معدلات التضخم، ما أثر سلبًا على القدرة الشرائية للمواطنين وزاد من معاناتهم الاقتصادية.

ورغم أن الاتحاد الدولي لكرة القدم حصد عائدات ضخمة من البطولة، تجاوزت 5 مليارات دولار، إلا أن البرازيل التي تحملت الجزء الأكبر من التكاليف، لم تستفد اقتصاديًا بالشكل المتوقع.

نموذج “الفيفا” المالي يمنحها النصيب الأكبر من الأرباح، بينما تظل الدول المضيفة مسؤولة عن النفقات.

استثمارات ضخمة دون عوائد مستدامة

ويرى رئيس مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي، علي الغنبوري، أن الاستثمارات الضخمة التي خصصتها البرازيل لتنظيم المونديال حفزت الاقتصاد مؤقتًا عبر خلق فرص عمل وتحسين البنية التحتية، لكنها لم تحقق عوائد مستدامة، إذ ذهبت الأرباح الكبرى للفيفا والرعاة، بينما ظلت الدولة تتحمل الأعباء المالية.

واعتبر علي الغنبوري، في تصريح لجريدة “مدار21″، أن العديد من المنشآت الرياضية التي بنيت بتكاليف باهظة، لم تجد استخدامًا فعالًا بعد البطولة، مما جعلها عبئًا ماليًا إضافيًا، وهو ما يعكس سوء التخطيط لمرحلة ما بعد الحدث.

كما أكد الخبير الاقتصادي أن الإنفاق الكبير على المونديال زاد الضغط على الميزانية العامة، ما اضطر الحكومة البرازيلية إلى تبني إجراءات تقشفية لاحقًا، في وقت كانت البلاد بحاجة إلى استثمارات في مجالات أكثر أولوية مثل الصحة والتعليم.

وعود الوظائف تبخرها البطالة والتضخم

وأوضح الغنبوري أن انتهاء البطولة أدى إلى تقلص فرص العمل المؤقتة التي أتاحها الحدث، خاصة في قطاعي البناء والسياحة، مما تسبب في ارتفاع معدلات البطالة، إذ لم تستطع السوق امتصاص الأعداد الكبيرة من العمال الذين فقدوا وظائفهم.

وأشار المتحدث ذاته إلى أن الإنفاق الحكومي الكبير خلال التحضير للمونديال أدى إلى تفاقم الدين العام، ما دفع الحكومة إلى تبني سياسات تقشفية أثرت سلبًا على الاستثمارات في قطاعات أخرى، ما عمّق الأزمة الاقتصادية في البلاد.

وأضاف المحلل الاقتصادي أن الزيادة الكبيرة في التدفقات المالية خلال فترة البطولة رفعت معدلات التضخم، حيث أدى الطلب المرتفع إلى ارتفاع الأسعار، وبعد انتهاء الحدث لم تتمكن الحكومة من احتواء هذه التداعيات بسرعة، ما أثر على القدرة الشرائية للمواطنين.

“فيفا” الرابح الأكبر

وشدد الغنبوري على أن النموذج المالي الذي تعتمده الفيفا يمنحها النصيب الأكبر من الأرباح، بينما تتحمل الدولة المضيفة معظم التكاليف، وهو ما جعل البرازيل تعاني من أعباء مالية دون تحقيق عوائد تتناسب مع حجم إنفاقها على البطولة.

وأورد أن معظم الأرباح الناتجة عن المونديال ذهبت إلى الفيفا والرعاة، بينما لم تحصل البرازيل سوى على مداخيل غير مباشرة عبر الضرائب والسياحة، وهي عائدات لم تكن كافية لتعويض النفقات الضخمة التي تكبدتها الحكومة.

ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن الفيفا تستفيد من إعفاءات ضريبية في العديد من الدول المضيفة، مما يجعل العائدات المحلية من البطولة محدودة، ويؤكد أن هذا النموذج المالي غير عادل، حيث تتحمل الدولة المضيفة التكاليف دون أن تستفيد من الأرباح بشكل متناسب.

رؤية مستقبلية مفقودة

وصرح الغنبوري: “السبب الرئيسي وراء عدم استغلال الملاعب بعد المونديال يعود إلى سوء التخطيط، حيث شُيدت منشآت ضخمة في مدن تفتقر إلى أندية رياضية كبرى أو قاعدة جماهيرية كافية لدعمها ماليًا، ما جعلها غير مستدامة اقتصاديًا”.

كما أفاد المحلل الاقتصادي بأن العديد من هذه الملاعب أصبحت عبئًا ماليًا على الدولة بسبب ارتفاع تكاليف صيانتها وقلة الفعاليات التي تستضيفها، وكان بالإمكان تفادي هذا المصير لو تم التخطيط لاستخدامات بديلة لها بعد البطولة.

وأشار المتحدث نفسه إلى أن الحل كان يكمن في اعتماد تصميم أكثر مرونة لهذه الملاعب، بحيث يمكن تحويلها إلى مراكز رياضية أو ثقافية متعددة الاستخدامات، إضافة إلى إشراك القطاع الخاص لضمان استدامتها اقتصاديًا.

درس للعبرة

وأقر بأن تجربة البرازيل تشكل درسًا هامًا للدول الراغبة في استضافة البطولات الكبرى، حيث أثبتت أن النجاح لا يُقاس فقط بالقدرة على تنظيم الحدث، بل بمدى استدامة الاستثمارات المصاحبة له.

تجربة البرازيل في تنظيم مونديال 2014 أظهرت أن استضافة الأحداث الرياضية الكبرى ليست دائمًا استثمارًا مربحًا، بل قد تتحول إلى عبء اقتصادي في حال غياب تخطيط محكم لاستدامة المشاريع المصاحبة.

هذا الدرس يجب أن يكون في الحسبان لأي دولة تفكر في استضافة حدث من طينة كأس العالم، إذ لا يكفي النجاح في تنظيمه، بل يجب أن تكون العوائد الاقتصادية والاجتماعية مضمونة على المدى الطويل.



Source link

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات