أكد رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، الحبيب المالكي، على الحاجة الملحة لعقد “مناظرة وطنية”، تجعل التدابير الإجرائية التي جاءت بها الرؤية الاستراتيجية وتقرير “المدرسة الجديدة” موضوع تداول مع كل الأطراف المعنية، وفق مقاربة تشاركية، مشيرا إلى أن التوجيه المدرسي كما يُمارس حاليًا في المنظومة التربوية المغربية لا يزال يفتقر إلى مقومات الوجاهة، والنجاعة، والفعالية، والاستدامة.
وأوضح المالكي، أن نظام التوجيه المدرسي، مطالب بالتحرر من لزوم النظر إلى كفايات التلامذة من منظور معدلاتهم ونقطهم فقط، “بل وجوب وضع التوجيه في قلب النموذج البيداغوجي والعملي طوال المسار الدراسي، إذا كنا نريد تكريس مبدأ الإنصاف والجودة والرقي بالفرد والمجتمع”.
وأشار المتحدث خلال افتتاحه الدورة السادسة من الولاية الثانية للمجلس المنعقدة في مقر المجلس بالرباط اليوم الثلاثاء، إلى أن المكتسبات التي حققتها المنظومة التربوية تشكل أساسا متينا لإطلاق المدرسة المغربية الجديدة، مؤكدا أن التنفيذ الفعلي للإصلاح العميق يجب أن يرتكز على إطار قانوني ملزم يتناسب مع الطموحات الواردة في القانون الإطار 17-51.
وأضاف أن إصلاح التوجيه المدرسي يتطلب التحرر من النظرة التقليدية التي تركز فقط على معدلات ونقط التلاميذ، داعيا إلى اعتماد نموذج توجيهي جديد يأخذ بعين الاعتبار الكفايات الفردية والطموحات الشخصية للمتعلمين، واحتياجات سوق الشغل والمحيط السوسيو-اقتصادي.
واستعرض المالكي معطيات التقرير التحليلي الذي أعدته الهيئة الوطنية للتقييم حول منظومة التوجيه المدرسي، مبرزا عدة تحديات تعوق فعالية النظام الحالي، من بينها غياب منهجية منتظمة ومستدامة لأنشطة التوجيه، ونقص التتبع الفردي للمتعلمين بناء على كفاياتهم وطموحاتهم.
كما أظهر التقرير أنه يتم الاعتماد على الانتقاء القبلي والمباريات كمعيار أساسي للتوجيه، دون مراعاة احتياجات سوق العمل، ندرة المعطيات المحينة حول اندماج الخريجين في سوق الشغل والكفايات المطلوبة، والعجز في توفير أطر توجيه مؤهلة.
وخلص التقرير إلى أن أي إصلاح لنظام التوجيه المدرسي ينبغي أن يضع هذا الأخير في قلب النموذج البيداغوجي طوال المسار الدراسي لتحقيق مبدأ الإنصاف والجودة.
وفي إطار تعزيز فعالية الإصلاح التربوي، قدم المجلس النسخة السابعة من تقرير “الأطلس المجالي الترابي”، الذي يركز على تقييم جودة البنية التحتية التعليمية عبر المستويات الترابية المختلفة. وهو التقرير الذي أظهر تباينات واضحة في جودة البنية التحتية بين الأسلاك التعليمية، حيث سجل التعليم الابتدائي 53 نقطة، مقابل 77 نقطة للتعليم الثانوي الإعدادي، و81 نقطة للثانوي التأهيلي.
كما كشف تقرير الأطلس عن تفاوتات كبيرة بين المدارس الابتدائية المستقلة التي حققت 66 نقطة، والمدارس الفرعية التي لم تتجاوز 25 نقطة، مما يبرز الحاجة الملحة لدعم المؤسسات الأكثر هشاشة. وأوصى التقرير بضرورة تكاتف الجهود بين مختلف القطاعات الحكومية لتحسين البنية التحتية، مع التركيز على المؤسسات الواقعة في المناطق القروية والمهمشة.
وشدد المالكي على أن الإصلاح يتطلب التحلي بالجرأة لابتكار حلول جديدة، وخلق “قطائع ضرورية” مع الممارسات الحالية التي أثبتت محدوديتها، مؤكدا على أهمية عقد المناظرة الوطنية بمشاركة كافة الأطراف المعنية، بما يضمن المزج بين الخبرة المهنية والتجربة الميدانية، والارتقاء بمستوى النقاش الوطني حول التحديات والإشكاليات المستقبلية.
وأضاف أن المجلس الأعلى للتربية والتكوين سيضع جميع إمكانياته في خدمة هذا الورش الوطني، بهدف تحقيق رؤية استراتيجية محينة تستجيب لتطلعات المستقبل. كما أكد المالكي على ضرورة تعزيز الروابط الثقافية والتربوية مع مغاربة العالم، من خلال مشاريع وبرامج تربوية تعزز هويتهم ومعارفهم عن بلدهم.
وأشار تقرير “الأطلس المجالي الترابي” إلى أن التفاوتات في جودة البنية التحتية تزيد كلما انتقلنا إلى مستويات ترابية أكثر تفصيلا، مما يستدعي سياسات محلية أكثر نجاعة، داعيا إلى اتخاذ مبادرات قطاعية مشتركة لتحسين البنية التحتية، وضمان تكافؤ الفرص التعليمية بين الجماعات المحلية.