الخميس, يناير 9, 2025
Google search engine
الرئيسيةالرئيسيةخفافيش التشهير في ملاعب الصحافة – لكم-lakome2

خفافيش التشهير في ملاعب الصحافة – لكم-lakome2


في الوقت الذي يسابق فيه المغرب الزمن لتحسين بنيته التحتية استعدادًا لاستضافة كأس العالم، يبدو أن هناك “ملعبًا” آخر تم تجاهله تمامًا، وهو ورش الصحافة. بينما تبهر الدولة العالم بملاعب فائقة التطور وشبكات نقل حديثة – في كبرى المدن، بينما يقبع المغرب “غير النافع” في العصور الوسطى- ، لا يزال السواد الأعظم من صحافته عالقا في مستنقع التشهير الذي لا يعترف بأخلاقيات المهنة ولا يحترم الحدود الدنيا للخصوصية. لقد تحولت صحافة التشهير إلى رياضة وطنية جديدة تنافس كرة القدم نفسها، لكنها لا تحتاج إلى كرات أو ملاعب، بل فقط إلى أقلام مسمومة وجيوش إلكترونية تتفنن في تقنيات التشويه.

آراء أخرى

ما يدمي القلب أن أشهى الفرائس لصحافة التشهير هم زملاء المهنة أنفسهم. هذه المهنة التي كانت يومًا ما رمزًا للصدق والموضوعية أصبحت، للأسف، تفرض “زمالة” لأولئك الذين لا مهنة لهم سوى الموهبة في التجسس وتتبع العورات، وتلفيق الأكاذيب، والضرب تحت الحزام. هؤلاء الذين يختبئون وراء الأقلام لتدمير سمعة الآخرين، بدلًا من استخدام تلك الأقلام لفضح الفساد والنضال من أجل الحقيقة.

ولم يكن صمت نقابة الصحفيين والمجلس الوطني للصحافة أقل استفزازًا. لقد أصبح الصمت المريب سمة بارزة لهذه الهيئات، التي بدلًا من أن تُصغي لصوت الحقيقة وتدافع عن الصحفيين والممارسات المهنية، أصبح دورها مجرد مكتب تحت الطلب. لا ترى ولا تسمع إلا ما يُطلب منها أن ترى وتسمع، وكأنها باتت مجرد أداة طيعة في يد من يملكون السلطة، بدلًا من أن تكون صوتًا مستقلًا يحمي حقوق الصحفيين والمواطنين على حد سواء.

لم تعد الصحافة هنا وسيلة لنقل صوت الناس ومعاناتهم، بل أصبحت أداة لتصفية الحسابات وتشويه المعارضين عبر نبش حياتهم الشخصية وأسرهم، في مشهد يُظهر كيف يمكن للكلمة أن تصبح سلاحًا بيد من لا يملك أخلاقيات المهنة. المثير للسخرية أن من يمارسون هذا الدور دائمًا ما يكونون مجهولين، بمعنى معروفين جدًا، إذ تُستخدم هذه الممارسات لاستهداف كل من يغضب الجهات النافذة في الدولة، وكأن الرسالة واضحة: “إزعاج النظام سيكلفك سمعتك، وأسرتك، وحتى حيواناتك الأليفة”.

الأغرب في هذه المنظومة ليس فقط انتشار صحافة التشهير، بل الإفلات التام من الرقابة والمساءلة. في الوقت الذي تتحرك فيه النيابة العامة بسرعة البرق إذا تعلق الأمر بتدوينات رأي تنتقد السلطة، نجدها تغمض عينيها و تصم أذنيها بشكل مثير للدهشة في قضايا أكثر خطورة. فمنذ عام 2017، ما زلنا إلى يومنا هذا ننتظر نتائج التحقيق بشأن تسريب فيديو يظهر ناصر الزفزافي قائد حراك الريف عاريًا داخل معتقله، وهو تسريب ينتهك أبسط حقوق الإنسان ويمثل فضيحة أخلاقية وقانونية.

الأمثلة لا تقف عند هذا الحد. كيف يمكن تفسير اختراق و تسريب وثائق خاصة بمعارضين وسياسيين وصحفيين دون أن تتحرك أي جهة لفتح تحقيق جدي؟ بل نجد بعض التسريبات تُستخدم علنًا لتشويه السمعة في حملات منسقة ومنظمة. في المقابل، نجد أن منشورات عادية على وسائل التواصل الاجتماعي قد تؤدي بصاحبها إلى المثول أمام القضاء في وقت قياسي، بتهمة “إهانة الموظف” أو “إهانة مؤسسة”، وكأن باقي الناس مستباحة كرامتهم وحقوقهم وخصوصياتهم.

الغريب أن هذا الورش المنسي لم يُقص تمامًا من “الإصلاح”، بل إنه يحظى بحضور قوي ولكن في الاتجاه المعاكس، عبر الدعم المادي السخي الذي يغري “صحافة المجاري”، على حد وصف الصحفي سليمان الريسوني، للاستمرار في لعب دورها التخريبي. بدلًا من أن تُخصص الأموال لتعزيز صحافة حقيقية تسهم في تنوير الرأي العام، تُمنح لمنابر اعتادت على نشر الفضائح المفتعلة وتقارير التشهير، وكأننا أمام سياسة دعم رسمي للفوضى الإعلامية والقتل الرمزي لكل من يغرد خارج السرب.

لكن المفارقة الأشد طرافة، أنه كلما توجهت السهام المسمومة لصحافة التشهير نحو أحد الأصوات الحرة في محاولة للنيل من سمعته ورصيده النضالي والأخلاقي، إلا ارتفعت أسهم هذا الرصيد لدى الناس داخليًا وخارجيًا، وانهالت عليه موجات التضامن والمؤازرة. لقد أصبحت هذه الأساليب تؤدي من حيث لا تدري عكس الأدوار التي تم تفريخها وتسخيرها لأجلها، بعدما انفضحت أساليبها لدى الجميع، وباتت تُرى كدليل إضافي على إخفاق النظام في احتواء الانتقادات بوسائل ديمقراطية وحضارية.

بينما تبني الدولة الملاعب الضخمة وتجهز شبكات الطرق، كان الأجدر أن تعمل أيضًا على إصلاح هذا الورش المنسي. إذا كان المغرب يريد حقًا أن يُظهر للعالم صورة الدولة المتقدمة، فالأمر لا يقتصر على الملاعب والطرق، بل يشمل أيضًا تعزيز حرية الصحافة واحترام الخصوصية وضمان العدالة في التعامل مع القضايا. فلا معنى لاستعراض البنية التحتية الحديثة إذا كانت الصحافة تُستخدم كأداة قمع وتشهير بدل أن تكون سلطة رابعة تراقب وتحاسب.

العالم قد ينبهر بالملاعب، لكن من سيقتنع بأن دولة تدير حملات تشويه ضد معارضيها وتتجاهل قضايا الانتهاكات الجسيمة قادرة على تقديم صورة ديمقراطية متقدمة؟ الصحافة الحقيقية هي جزء من أي مشروع وطني طموح، وإصلاح هذا المجال ليس خيارًا، بل ضرورة ملحة لتصحيح المسار وضمان العدالة للجميع.



Source link

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات