على بعد يومين فقط عن نهاية السنة الميلادية 2024 ومرور ثلاثة أسابيع على إحياء الذكرى التاسعة والأربعين المأساوية التي مازالت أحداثها عالقة بأذهان آلاف المغاربة تحكي بمرارة ما تعرضت له 45 ألف أسرة مغربية يوم 8 دجنبر 1975 الذي صادف حينها عيد الأضحى، من طرد تعسفي وترحيل قسري على يد السلطات الجزائرية بأمر من الرئيس الراحل محمد بوخروبة الشهير باسم “هواري بومدين”، في رده على تنظيم المغرب للمسيرة الخضراء المظفرة في 6 نونبر 1975 من أجل استرجاع صحرائه المغتصبة من قبل الاحتلال الإسباني.
أبى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الواجهة المدنية للنظام العسكري الذي يصر دوما على محاولة تصدير المشاكل والأزمات الداخلية إلى الخارج، وتجييش المواطنات والمواطنين الجزائريين ضد المغرب، إلا أن يستغل خطابه لهم يوم الأحد 29 دجنبر 2024 أمام البرلمان، ويوجه عبره مدفعيته مرة أخرى للمغرب، مستهدفا السيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية، حيث كشف بمنتهى الصراحة عن دعم بلاده الدائم لميليشيات البوليساريو الانفصالية، وشدد على أنها لن تغير أبدا ومهما حدث موقفها بخصوص هذه القضية، التي اعتبرها “قضية حق شعب في تقرير مصيره”، غير مبال بمبادرة الحكم الذاتي التي تقدمت بها المملكة المغربية عام 2007 كحل واقعي، عادل ومستدام للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، واصفا إياها ب”الفكرة الفرنسية” و”خرافة جحا”، مما يؤكد أن ملف الصحراء المغربية يشكل للعصابة الحاكمة في قصر المرادية قطب الرحى في السياسة الخارجية.
وليس غريبا على من أدار حملته الانتخابية بالاعتماد على شعارات مناهضة للمغرب، أن يواصل ذات الخطاب المشحون بالحقد والكراهية نحوه بعد إعادة انتخابه لولاية ثانية، عوض التركيز على المشاريع التنموية وتحسين ظروف عيش المواطنين الجزائريين، الذين خرجوا قبل أيام للتعبير عن عدم رضاهم على حكم العسكر وما آلت إليهم أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية من تدهور لافت، مطالبين بدولة مدنية ديمقراطية، من خلال إطلاق حملة رقمية تحت عنوان “مارانيش راضي” على منصات التواصل الاجتماعي، دون أن تستطيع حملة الكابرانات المضادة ولا الاعتقالات الواسعة الحد من زخمها.
ألم يكن حريا بالرئيس الصوري أن يتطرق في ظل هذه الظروف العصيبة التي توجد فيها بلاده على صفيح ساخن إلى المواضيع الأكثر إلحاحا بالنسبة للجزائريين وذات الصلة المباشرة بهمومهم وانشغالاتهم، لاسيما أنهم ضاقوا ذرعا بسياسية القمع والترهيب وتكميم الأفواه، واستمرار الطوابير الطويلة أمام الأسواق والمحلات التجارية بسبب ندرة المواد الغذائية، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، تفشي الفساد وغياب الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحريات، بدل اللجوء إلى تبرير الفشل بمحاولة احتواء الأزمة الداخلية والحد من منسوب الاحتقان الشعبي، وتعبئة الرأي العام ضد المغرب وتبخيس مقترح الحكم الذاتي الذي يحظى بدعم عديد الدول العربية والإفريقية والأوروبية والأمريكية، وإشادة مجلس الأمن، باعتباره حلا واقعيا وذا مصداقية لمشكل الصحراء المغربية؟
فمنذ أن تم تعيينه رئيسا للجزائر من قبل كبير الكابرانات والرئيس الفعلي للبلاد “السعيد شنقريحة”، وتبون يكاد لا يتوقف عن مهاجمة المغرب، واتهامه له بعدة اتهامات باطلة ومنها تمويل بعض المعارضين الجزائريين بغرض زرع الفتنة وزعزعة استقرار الجزائر، وتعمده إغراق السوق الجزائرية بالمخدرات، في محاولات بئيسة ويائسة للفت أنظار الجزائريين عن مشاكلهم الحقيقية. وطالما أكد على أن الحدود البرية بين البلدين ستظل مغلقة إلى أن يشاء الله، واعتبر أن المغرب هو من بدأ الاعتداء منذ فترة طويلة، وأن القطيعة لا تأتي إلا من النظام الملكي وليس الشعب المغربي، علما أن الملك محمد السادس لم يفتأ ينادي بالحوار الجاد والمثمر، ويمد يده لحكام الجزائر من أجل طي صفحة الخلافات والشروع في بناء المستقبل سويا وبصفة مشتركة، لما فيه صالح البلدين الجارين وخير الشعبين الشقيقين، بدون جدوى.
إن العداء الجزائري للمغرب عقيدة تابثة لدى النظام العسكري الجزائري، الذي يسعى جاهدا إلى محاولة ترسيخها في أذهان الأجيال الجزائرية الصاعدة والبريئة، لكن ما إن أنهى تبون خطابه المسموم حتى “انقلب السحر على الساحر”، من خلال ما أثاره من ردود أفعال غاضبة وانتقادات حادة ليس من قبل المغاربة الذين لا يعيرون أي اهتمام لترهاته، بل من الجزائريين أنفسهم الذين لاذوا بشبكات التواصل الاجتماعي للتعبير عن تذمرهم وامتعاضهم من تجاهله لمشاكلهم الداخلية، معتبرين أن ما ورد في الخطاب المملى عليه لا يعدو أن يكون هروبا إلى الأمام، رافضين تلك المضامين التي تركز على قضايا خارجية لا شأن لهم بها من قريب ولا من بعيد، مثل قضية الصحراء المغربية ومساواتها مع القضية الفلسطينية، وواصفين مجمل تصريحاته بالأكاذيب والأضاليل المكشوفة والمفضوحة.