رغم الوعود الحكومية، واحتجاج النقابات لتنزيل مخرجات الاجتماعات الماراثونية، فإن خروقات وتجاوزات شركات المناولة ما زالت مستمرة، ما يتعارض ومدونة الشغل المعمول بها، مثل إلزامية تسجيل العمال بالضمان الاجتماعي، ووقف تهرب شركات كبرى من مسؤولية العمال بالاختباء بطرق ملتوية خلف شركات المناولة، التي يمكنها إعلان الإفلاس بسرعة، وتغيير الاسم والمقر دون تغيير مالكيها في كثير من الأحيان.
إن من أخطار التشغيل ببعض شركات المناولة، بالمستشفيات العمومية بصفة خاصة، قيام العمال بمهام لا تتعلق بالأمن الخاص فقط، وذلك في غياب التكوين الضروري، كما أن الاحتكاك اليومي بالمرتفقين ينتج عنه صراعات وشكايات سوء الاستقبال واصطدامات بشكل شبه يومي، ما يتعارض والجودة في الخدمات العمومية، ويعمق أزمة الثقة بين المواطن وقطاع الصحة، حيث يتم أحيانا اللجوء إلى فصل عمال، أو معاقبتهم كحلقة أضعف، دون معالجة الفيروس في العمق.
ما زالت احتجاجات النقابات متواصلة حول خروقات شركات المناولة، في غياب احترام الحد الأدنى للأجور وساعات العمل، وغياب التعويضات عن العطل والساعات الإضافية، وخرق مدونة الشغل، وحالات الطرد التعسفي والعقود الغامضة، وذلك وسط تقاذف المسؤوليات، وإكراهات غياب الموارد البشرية بالنسبة إلى مفتشي الشغل، والتحايل على القانون في إنشاء شركات برأس مال محدود جدا وإعلان إفلاسها وغير ذلك من وسائل التهرب من الالتزامات مع العمال.
وعندما نقول بحق عامل شركة المناولة في الشغل بكرامة، فإن ذلك لا يعني التغاضي عن الفساد داخل عمال بعض الشركات التي تفوز بصفقات الأمن الخاص بمؤسسات عمومية، حيث تصبح المهام التي تتعلق بخدمات إدارية حساسة والاحتكاك المباشر مع المرتفق، تتطلب دفع مبالغ يومية لمسؤول الفرقة وتقاسم ما يتم تحصيله من رشاو، مقابل تسريع قضاء المصالح والتوسط في مواعد طبية أو تسهيل إجراءات قانونية أو ما شابه ذلك من الحقوق، التي تتحول إلى امتيازات بسبب الفساد الإداري.
إن الأمن الخاص الذي تتكلف به شركات المناولة في أغلب الحالات، هو أول ما يواجه المرتفق بأقسام المستعجلات بالمستشفيات العمومية، وأمام أبواب الإدارات وكافة المرافق العمومية، لذلك يجب أن تراعي كافة المؤسسات المعنية تحسين وتجويد الاستقبال وتوفير المعلومات الكاملة، وتبسيط الإجراءات المعمول بها، دون حاجة إلى تكليف أشخاص بدون تكوين يعمقون أزمة الثقة بين المواطن ومشاريع الإصلاح، ويمنحون صورة سيئة جدا عن مبادرات محاربة الفساد.
هناك حاجة ماسة إلى تسريع تنزيل القرارات الحكومية لهيكلة قطاع شركات المناولة، بما يضمن الحرص على احترام بنود دفتر التحملات وقانون الصفقات العمومية، وتكوين العمال الإلزامي، قبل منحهم مناصب مسؤوليات حساسة وتحديدها بالضبط، مع تحسين ظروف العمل والرواتب، وذلك لأن فوضى الأمن الخاص بالمستشفيات ومؤسسات عمومية أخرى تقف خلفها جهات تستفيد من الغنيمة الكبرى، وتدعي صعوبة هيكلة القطاع بمبررات واهية.