مع حلول شهر رمضان المبارك، يجد المغاربة أنفسهم أمام نقاش متجدد يطفو على السطح كل عام، مرتبط بمسألة إعلان بداية الصيام في بعض الدول الإسلامية قبل المغرب بيوم، حيث وبينما يعتبر البعض أن ذلك دليل على تريث وفعالية آليات الرصد المغربية في تحديد أول أيام الشهر الكريم، يذهب آخرون إلى حد القول إن المغاربة قد أفطروا يوما من رمضان دون قصد، وهو نقاش يحمل في طياته أبعادا فقهية وعلمية تتطلب توضيحا من أهل الاختصاص.
وفي السياق؛ شدد الأستاذ الحسن العيساوي، الباحث في الفقه والتراث الإسلامي، على أن قضية تحديد رمضان ترتبط ارتباطا وثيقا برؤية الهلال، مشيرا إلى أن الله سبحانه وتعالى كان بوسعه ربط الصيام بالشهور الميلادية ذات التواريخ الثابتة، لكنه جعل انتظار الهلال ومراقبته عبادة في حد ذاتها، يمنح الله بها المؤمنين أجرا عظيما، موضحا أن كثيرا من الناس ينجرون وراء الحديث عن “التأخر” في إعلان الصيام، في حين أن الأمر محكوم بأحكام شرعية مضبوطة لا تحتمل التشكيك.
وأضاف العيساوي أن ولادة القمر تحدد بدقة متناهية عبر الحسابات الفلكية، لكنه يحتاج إلى مدة معينة ليظهر للعين المجردة، حيث في بعض الحالات، قد يكون الهلال موجودا لكنه غير مرئي، ولهذا تعتمد الدول التي تلزمها الشريعة بالرؤية البصرية على شروط دقيقة لإثبات دخول الشهر، وهو ما جعل المغرب من أكثر الدول انضباطا في عملية المراقبة، حيث تعتمد المملكة على لجان رسمية منتشرة في ربوع البلاد، إلى جانب اعتمادها على معايير علمية دقيقة، ما دفع دولا عديدة إلى وضع المغرب وسلطنة عمان على رأس قائمة الدول الأكثر دقة في تحديد رؤية الهلال، ما جعل التقديرات الفلكية تتطابق مع نتائج المراقبة الميدانية منذ سنوات طويلة.
أما من الناحية الشرعية، فقد استشهد العيساوي بحديث الصحابي الجليل عمار بن ياسر رضي الله عنه، الذي قال: “مَن صام اليوم الذي يُشَكُّ فيه فقد عصى أبا القاسم ﷺ”، مؤكدا أن الخضوع للنظام الفقهي لكل دولة إسلامية أمر لا ينبغي المساس به، باعتبار أن الأصل في الصيام أن يكون وفق رؤية الهلال داخل القطر الواحد، ولا يجوز للأفراد مخالفة الإجماع الوطني والانجرار وراء دول أخرى، رغم أن التوحيد مطلوب داخل القطر الواحد ليشمل دولا مختلفة مثل المغرب والجزائر وتونس وغيرها من الدول.
ومع أن الكثير من العلماء ينادون منذ زمن بضرورة توحيد صيام المسلمين في يوم واحد، إلا أن الواقع الحالي يفرض نفسه بوضوح، باعتبار أن اختلاف المطالع مسألة فلكية واقعية، واتباع كل دولة لمعاييرها الخاصة لا يعني أبدا وجود خطأ في صيام شعب على حساب شعب آخر، ولهذا، فإن الحديث عن إفطار المغاربة يوما من رمضان لا يستند إلى أي دليل شرعي أو علمي، بقدر ما يعكس خللا في فهم المسألة من طرف بعض الناس.