الأحد, مارس 9, 2025
Google search engine
الرئيسيةالشامل المغربيحوارات ثقافية في الذاكرة . إعتماد سلام تحاور محمد بن عيسى

حوارات ثقافية في الذاكرة . إعتماد سلام تحاور محمد بن عيسى


يبقى حوار الكاتبة والصحفية الإذاعية اعتماد سلام مع الدبلوماسي المثقف الراحل محمد بن عيسى من نفائس ريبرتوار إذاعة البحر الأبيض المتوسط (ميدي 1).

حوار يوثق للمسار الثقافي لمؤسس منتدى أصلية، محمد بن عيسى، من ذكريات احلام الطفولة الى جانب الفنان الراحل محمد المليحي، مرورا بمحطات إغتراب الراحل بحثا عن العلم والمعرفة، وصولا إلى أصيلة كما حلم بها الراحل . 

إليكم نص الحوار الذي سبق أن أجرته الزميلة إعتماد سلام مع الراحل محمد بن عيسى لفائدة إذاعة ميدي 1

الرباط- تقديم نيروز همون 

س: سأذكرك بمشهد قديم، حيث كان الطفل محمد بن عيسى يجلس مع رفيقه محمد المليحي وبدآ يتساءلان حول ما إذا أصبح لديهما المال عندما يكبران، ماذا سيفعلان به؟. سي المليحي رحمه الله قال إنه سيقيم محترفات للرسم، وأنت قلت إنك ستبني مسرحا ومكتبة. 

ما الذي جعل طفلا في الثانية عشرة من عمره آنذاك يختزل أحلامه في مكتبة ومسرح؟

ج: والله، ربما كنا على قرب مما يجري بطبيعة الحال في الدولة التي كانت تحتلنا حينئذ إسبانيا، نقرأ صحفها ونشاهد أفلامها وبالتالي كل واحد منا وفق ميولاته، كان معجبا بما يشاهد. المليحي كان دائما يرسم منذ صغره، واكتشف أنه في فرنسا خلقت الحكومة الفرنسية ورشات لاستضافة بعض الفنانين من الدول وكان يقول لي حبذا لو تكن لدينا فرصة لإحداث مثل هذه المشاغل وهذه الورشات. بالنسبة لي، كنت أقرأ كثيرا الكتابات المصرية حينها، الأهرام والمصور إلى آخره، وكنت معجبا بالكتب المصرية التي كنا نقرأها أيضا في المدرسة الابتدائية، علما أن المطابع المصرية هي التي كانت تسوق الكتاب المدرسي في ذلك الحين. 

وبخصوص المسرح، أنا كنت دائما من المعجبين بيوسف وهبي وأمينة رزق، هذا الكلام في الأربعينيات، وقد كنت أمثل في المدرسة باستمرار. هذه ميولنا، والحقيقة أنه كنا نقول فيما لو كانت لدينا إمكانيات وليس حينما يكون لدينا، لأنه لم نكن نعتقد أنه سيكون لدينا من المال ما يكفي حتى للقمة العيش، كنا نعيش في مدينة فقيرة وفق ظروفنا العائلية ولكننا كنا نحلم.

س: والمهم هنا، أن الحلم تحقق؟

ج: نعم، تحقق وأصبح نموذجيا، ربما ورشات التشكيل، حيث النحت أوالصباغة أو الطباعة الحفرية.. أصبح لها الآن في أصيلة 43 سنة. لا أعتقد أن هناك مشغلا في العالم العربي وفي إفريقيا عمره 43 عاما، أنا عندما ذهبت إلى الولايات المتحدة عام 1961 طالبا، كان أول شيء يحضر في ذهني ورافقني، هو أن أحاول إيجاد من يساعدنا على تمويل بناء مكتبة، وكان بعض الأمريكيين حينها يدعوننا إلى قضاء عطلة نهاية الأسبوع وفق السياسة الأمريكية التي تستدعي الطلبة الأجانب من خلال الأسر الأمريكية أيام الحرب الشيوعية الرأسمالية لتحبيب هؤلاء الطلبة من دول العالم الثالث في الحياة الأمريكية، فرأيت عندما كنت أذهب مع الأسرة يوم الأحد إلى الكنيسة وأشاهدهم وهم يصلون، رأيت أنهم من حين لآخر كانوا يتحركون لجمع ما يكفي من أموال لتمويل مشروع ما، وحينها قلت للعائلة التي كنت أرافقها حبذا لو تساعدوننا على جمع مبلغ من أجل بناء مكتبة. 

وبالفعل تم جمع 1400 دولار وبعثتها لباشا المدينة حينئذ محمد الداودي، وبنينا بناية في الحديقة التي كان الإسبان يقيمون فيها الحفلات الليلية بمناسبة أعيادهم، وأسميناها مكتبة، والحقيقة أنها كانت عبارة عن مجرد صندوق، مربع، ولكنها كانت أول مكتبة تبنى من جانب القطاع الخاص. وبالنسبة للمسرح، فإنه بطبيعة الحال كل ما بنيناه، مركز الحسن الثاني، مكتبة الأمير بندر بن سلطان، والآن المتحف الذي يبنى، كل واحد فيه مسرح، وإن كان المسرح الآن قد مات تقريبا عبر العالم بالمعنى القديم، لكن هناك خشبة وأطفال وحفلات تقام على هذه الخشبة.

س: بما أنك ذكرت الأطفال، أنشطتكم الثقافية في موسم أصيلة منذ انطلاقه عام 1978 كان الطفل في صلبها، ومرة قرأت لك حوارا قلت فيه إن كل فكرة إصلاحية، لتكون ناجحة يجب أن تبدأ بالطفل.. كيف ذلك؟

ج: بالتمام والكمال، أنا عدت إلى المغرب بعد غياب دام نحو 23 سنة، وكذلك المليحي، كنا مع بعض في الولايات المتحدة، وهو كان في إيطاليا وإسبانيا، وأنا كنت في مصر.. هذه المدة بين الدراسة والعمل هجّرتنا من المغرب طيلة 23 سنة ثم عدنا سويا. أنا عدت متأخرا والمليحي عاد قبلي أعتقد عام 1963 أو 1964، أنا عدت سنة 1976، ووجدنا المدينة في حالة يرثى لها جدا للأسف، بل لاتوصف، جبال من النفايات والفئران إلى آخره.. وكنا أنا والمليحي نتحدث ونحن نتعشى فحكى لي عن حادثة عنيفة وقعت له مع حيوان، فقلت له مازحا إن المثل العربي يقول: أرض الذل تهجر. فقال لي لا، لماذا لا نقوم بشيء آخر؟. سألته: ماذا؟. قال لي: “نزلوا العار”. قلت له ماذا يعني ذلك؟. قال لي نحن تركنا المدينة لندرس ثم عدنا الآن، لنترشح للانتخابات البلدية إذن، إذا فزنا تبارك الله، وإن لم نفز فإننا بذلنا جهدا على الأقل.

في اليوم الموالي ونحن نفطر صباحا، استرجعت هذا الحديث، فقلت له، المليحي هل كنت جادا البارحة؟، فقال لي كما تريد. وهكذا أنهينا فطورنا وذهبنا، تقدمنا للانتخابات البلدية وأصبحنا أعضاء في المجلس. وكان أول ملف على قائمة ملفات المجلس الجماعي ملف النظافة، فقلت للمليحي، لقد اكتشفت أن أكثر من يرمي النفايات في الشوارع هم الأطفال، لذلك فإن أي عمل سنقوم به علينا أن نبدأ بالطفل أولا حتى نُكون جيلا آخر بعد عشرين أو ثلاثين عاما. هذا كلام، ثم بعد ذلك كنت ومازلت معجبا بشيء في الولايات المتحدة وهو القدرة التي يمتلكها المجتمع المدني. 

هل تعرفين أن أكبر المؤسسات والمستشفيات والمتاحف والجامعات هناك وراءها المجتمع المدني، الأمريكيون يتبرعون ويجمعون.. فقلت للمليحي إن المجلس البلدي والواقع الذي نحن فيه لن يؤدي إلى أي شيء، لابد أن نفعل شيئا كمجتمع مدني فأسسنا جمعية عام 1978 أسميناها جمعية المحيط، وأطلقنا عليها “غير حكومية”، وقد أثارت العديد من الزوابع وتعرضنا لأسئلة الشرطة والعامل حينها، من أنتم؟ وما الذي تريدون القيام به؟ إلى آخره.. 

فقررنا في نهاية المطاف إقامة جداريات ووضع الأطفال في صميم ما يقوم به الفنانون الكبار وبقيت هذه العادة إلى اليوم، وسوقنا فكرة النظافة وجمع النفايات للأطفال، كنا نجمعها بأنفسنا ونعطيهم جوائز صغيرة ونشجعهم على جمع النفايات من الشارع ورميها في الأمكنة المخصصة لها.. حتى أن الآباء بدأوا يتندرون بالقول إن أطفالهم يعودون إلى البيت وهم يحملون كمية نفايات لأن بنعيسى قال لهم اجمعوها وقوموا برميها في سلة المهملات في بيوتكم أو في صندوق القمامة.. وذلك الجيل الذي كنا نتحدث معه حينها ربما صار عمره اليوم خمسون عاما. 

وكخلاصة أقول إن نظافة البلد وحماسة الناس ليست وليدة القوانين والجزاءات، القوانين مهمة ولكنها قضية تربية، وأنا والمليحي نسعد ونفخر بأننا ساهمنا في إنشاء جيل من بنات وأولاد أصيلة حريصين على نظافة مدينتهم.

شاهد أيضا 



Source link

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات