يعدّ المسجد الأعظم في طنجة ثاني مسجد بني في المدينة في عهد السلطان مولاي سليمان في 1233، بعد بناء “مسجد القصبة”، الذي بني في القرن السابع عشر بعد استرجاع طنجة من يد الاحتلال الانجليزي في القرن السابع عشر.
تقديم -عبد الرزاق المراكشي le12
اشتهر المغرب بكونه يتوفر على عدد كبير جدا من المساجد، حتى لَتجد من ينتقذون هذه الوفرة “الملحوظة” لـ”بيوت الله” على حساب مرافق حيوية أخرى ضرورية لحياة المواطن البسيط، مثل المدارس والمستشفيات والمصانع.
بناء على هذه المعطيات لا تكاد تخلو أية قرية نائية أو مدشر موغل في أعماق “المغرب غير النافع” من مساجدَ يُذكر فيها اسم الله، فما بالك بمُدن المركز وباقي الحواضر الكبرى في بلاد الـ مسجد.
سنأخذكم، من خلال هذه الفسحة الرمضانية “حكاية مسجد” في جولات عللا بساط من كلمات خطّتها أقلام مغربية مختلفة عن أشهر مساجد المغرب وجوامعه.
يعدّ المسجد الأعظم في طنجة ثاني مسجد بني في المدينة في عهد السلطان مولاي سليمان في 1233، بعد بناء “مسجد القصبة”، الذي بني في القرن السابع عشر بعد استرجاع طنجة من يد الاحتلال الانجليزي في القرن السابع عشر.
ولعلّ أهمّ ما يميّز المسجد الأعظم عن بقية المساجد “موقعه في مدخل البلد من جهة المرسى ومن جهة الشاطئ وبالقرب من وسط المدينة الذي هو السوق الداخلي لذلك لا تكاد تجده خاليا من المتوضئين والمصلين وهي ميزة يغفل عنها كثير من الناس فيلاحظون أن المصلين في المسجد الأعظم بطنجة كثرة في كل وقت ويستدلون بذلك على قوة تدين السكان وهو استدلال صحيح ولكن لا ينبغي نكران حظ الموقع في عمارة المسجد”، بحسب ما جاء في العدد الأول من مجلة “دعوة الحق“.
وبحسب المصدر ذاته، فقد مرت على الجامع فترة كانت الدروس لا تنقطع فيه، إذ تعقد فيه أكثر من عشر حلقات يومية للفقه والنحو والبلاغة والحديث والكلام والمنطق والأصول. ومن أشهر خطبائه تاريخيا القاضي أبو البقاء خالد العمري وكان أديبا شاعرا من فضلاء أهل طنجة وله خطبة في كتاب النبوغ المغربي.
وخلال الأزمة السياسية التي كانت قائمة بين الوطنية المغربية وفرنسا أقيمت فيه عدة مهرجانات خطابية وكان من جملة الذين خطبوا فيه حينذاك الأستاذ سعيد رمضان والسيد إنعام الله خان سكرتير المؤتمر الإسلامي العام وهو باكستاني خطب بالإنجليزية، وقبل ذلك في عام 1947 خطب فيه الملك الراحل محمد الخامس خطبة الجمعة..
وأضاف المصدر المذكور أن المسجد الأعظم كان مقرا للحركة الوطنية، فمنه «تنطلق المظاهرات الاحتجاجية ضد الاستعمار. وفيه تعقد الندوات، حتى أخبار المجتمع من وفيات أو زواج أو بيع عقار أو أرض، يقع النداء على ذلك بباب المسجد عقب صلاة الجمعة. ومئذنة المسجد الأعظم هي العمدة عند سكان المدينة في تحديد أوقات الصلاة والإفطار والسحور في شهر رمضان، لأن الموقت الرسمي للمدينة لا يكون إلا به وينتخب عادة من المدققين في علم التوقيت”، كما جاء في مقال للأستاذ عبد الصمد العشاب حول “مائة سنة من تاريخ المنشآت الحبسية بطنجة نماذج من أحباس مدينة طنجة منذ القرن الثاني عشر الهجري“.
وكانت الأحباس منوعة ما بين أراض فلاحية وعقار للاستثمار ومراكز تجارية وكتب علمية وآلات فلكية. وعندما تأسس به أول معهد إسلامي في 1947 كان الطلبة النظاميون يتقاضون منحاً نقدية كل شهر من ميزانية أحباسه، بالإضافة إلى الخبزة اليومية.
ومما أورد صاحب “النبوغ المغربي، الراحل عبد الله كنون حول تصميم المسجد أن “طبيعة تصميمه البنائي لها أثر في الجو الممتع الذي يمتاز به فهذه الأقواس الواسعة والسواري الضخمة والسقف الضارب في الارتفاع جهده كلها عوامل لانشراح الخاطر وانبساح النظر لأنها توحي بالعظمة والضخامة وإن كانت رقعة المسجد إلى حد محدود. وفي الباب البحرية نافذة تقع في مقابلة الجدار الجنوبي من البلاط الذي يلي الباب الجنوبية التي تركت الآن وكم كان يلذ لي أن أجلس إلى هذا الجدار بعد صلاة المغرب وأثناء قراءة الحزب مقابل تلك النافذة لأني أشاهد منها البحر والشاطئ الأوربي في اسبانيا حين يدور مصباح المنار في مدينة طريف فيرسل بضوئه إلى السفن المارة ببحر الزقاق وأظن أن هذه متعة لا توجد في أي مسجد من مساجد الأرض“.
وتابع الكاتب نفسه، في مقال له منشور في مجلة “دعوة الحق” في 1962 “لعل الكلام على مسجد طنجة الأعظم بوصف حياته المادية لا يغني عن الكلام عن حياته المعنوية والحق أن حياته هذه مستمدة من حياته تلك، فكلما كان المسجد مغريا بطبيعته على طول المكث فيه، كلما كان ذلك أدعى للانقطاع للعبادة والاعتكاف وانتظار الصلاة بعد الصلاة الذي هو مما يمحو الله به الخطايا ويرفع الدرجات كما جاء في الحديث“.
يقع المسجد الأعظم أو الأكبر في منطقة السوق الكبير وسط طنجة، المغرب. وقد تم بناؤه مكان كاتدرائية برتغالية سابقة بُنيت بدورها على أنقاض معبد روماني مخصص لهرقل. ويعود المسجد إلى فترة مولاي إسماعيل وتم توسيعه في 1815 من قبَل مولاي سليمان. وقد محمد الخامس زار المسجد في 11 أبريل 1947، إذ استمر في إلقاء خطاب تاريخي في حدائق المندوبية.
وقام المولى إسماعيل فور تحريره لطنجة من الوجود الإنجليزي في 1095 هـ، بإعطاء الأوامر للحاكم أبي الحسن علي الريفي من أجل تشييد عدد من بيوت العبادة ووقفها في سبيل الله. ويمتاز “الجامع الكبير” بتصميم هندسي يتشابه بشكل كبير مع ما كان موجودا في الأندلس مما يضفي عليه نوعا من الروحانية، حيث قال عنه العلامة الراحل عبد الله كنون، “إن طبيعة تصميمه البنائي لها أثر في الجو الممتع الذي يمتاز به فهذه الأقواس الواسعة والسواري الضخمة والسقف الضارب في الارتفاع جهده، كلها عوامل لانشراح الخاطر وانبساط النظر لأنها توحي بالعظمة والضخامة وإن كانت رقعة المسجد إلى حد محدود“.
وتابع كنون أن موقع المسجد، الموجود بالقرب من شاطئ البحر، يغري الجميع بالقدوم إليه، إذ تظهر الأندلس قريبة من نافذته، ويتجلى من خلالها مصباح المنار الموجود في مدينة طريف، فيهدي بضوئه السفن المارة بقربه، وهي متعة لا توجد في أي مسجد من مساجد الأرض. وقد كان هذا الجامع منارة علمية تجذب الراغبين في النهل من علوم الكتاب والحديث، إذ مرت عليه فترة كانت الدروس لا تنقطع فيها، إذ تعقد فيه أكثر من عشر حلقات يومية للفقه والنحو والبلاغة والحديث والكلام والمنطق والأصول، ومن أشهر خطبائه تاريخيا القاضي أبو البقاء خالد العمري الذي كان أديبا شاعرا من فضلاء أهل طنجة.
وقد شكل المسجد الأعظم مقرا للحركة الوطنية، فمنه انطلقت مجموعة من المظاهرات الاحتجاجية ضد الاستعمار، وفيه أقيمت عدة مهرجانات خطابية، فكان من جملة الذين خطبوا فيه حينذاك الأستاذ سعيد رمضان والسيد إنعام الله خان سكرتير المؤتمر الإسلامي العام وهو باكستاني خطب بالإنجليزية، وقبل ذلك في 1947 خطب فيه الملك الراحل محمد الخامس.
وبالنظر إلى مكانته العظيمة، شهد هذا المسجد التاريخي جملة من الإصلاحات وعمليات التوسيع، كان أولها على يد السلطان سيدي محمد بن عبد الله سنة 1191 هـ، قبل أن يأتي السلطان مولاي سليمان سنة 1233 هـ، ليعطي أوامره بجعل هذا الصرح الديني أكبر مما هو عليه نظرا للتوسع العمراني الذي كانت تشهده المدينة في تلك الفترة، وعقبه في ذلك الملك الراحل الحسن الثاني الذي أمر بالزيادة في مساحة هذا الأخير وإعادة ترميمه سنة 1382 هـ، ليختم الملك محمد السادس هذه الإصلاحات سنة 1422 هـ.