هنا في مراكش. السابعة و48 دقيقة: أذان صلا ة العشاء. الرحلة على وشك انتهائها، بل سأوقفها قبل المحطة الأخيرة، لأغادر الطاكسي، في اتجاه القزادرية، في الوقت الذي سيتوقف الركاب الآخرون بعد أمتار في “عرصة المْعاش“.
*ع. الرزاق بوتمزار
السابعة والربع مساء، سويقة القواس خالية على عروشها.. وحدهم الباعة، مجتمعين هنا وهناك أمام محلاتهم، يتربّصون في انتظار زبائنهم، زبوناتهم تحديدا.
فمعظم رواد “القواس” من النساء، اللواتي تُخصّص معظم محلات السويقة بضائع وسلعا متعلقة بجنسهنّ.
السابعة و38 دقيقة، سائق الطاكسي لا يزال يجمع “الصرف”… سأعرف أن اسمه عبد الكريم. واحد من زملائه أو من الكوارتية المصطفّين جنب مخرج الناقلات ناداه باسمه، شاكرا إياه على أمر لا أعرفه.
راكبان من الستة، وقد جلس أحدهما إلى جانبي والثاني خلفنا، في أحد المقعدين الخلفيين، تأخّرا في جمع الدراهم التي تُكلفها هذه الرحلة.
تضامنا في ما بينهما. ومن خلال بحث أحدهما عن القطع النقدية في “صرّة” صغيرة بدا لي أنّهما من النوع الذي يشقى كثيرا من أجل كسب القليل منها، وبالتالي يحرص عليها بهذه الكيفية المبالغة في الحرص والاحتياط.
الراكبة جنب السائق سيدة في الخمسين، لا أبين ملامحها من مجلسي، كانت الوحيدة التي سبقتني إلى جوف الناقلة، ومن يصل أولا يكون المقعد الأمامي من نصيبه، وما أدراك ما المقعد الأمامي في وسيلة نقل عمومية.. جلست ثم أعادت لفّ خرقة على رأسها. بعد ذلك “طلّعت الجّاجْ” وهي تُعدّل جلستها في مكانها. وحين انتهى “الشيفور” من جمع الصريّف، ضغط على زرّ ليرفع زجاج النافذة قرب الراكبة، لكنها التفتت إليه وقالت:
–راه أنا اللي نزّلتو… ضاربني شوية البرد..-
لم يردّ عليها، فقط غمغم بشيء غير مفهوم، وانطلق بنا في أولى رحلاتي الليلية مع هذه الحرفة الجديدة التي فرضت عليّ أن أعود إلى “المْدينة” ليلا بعد الإفطار…
طوالة “المحاميد” في بدايتها غير مزدحمة، بخلاف العادة، بل كانت خالية تقريبا من أية “حديدة” غير الطاكسي.
وهي فرصة استغلّها الأخير لكي “يورّك على الحديد” بسرعة استرعت انتباهي رغم انشغالي بتدوين رؤوس أقلام هذه أولى حلقات هذه اليوميات، التي دخلنا في تحدّي كتابتها يوميا طوال الشهر الفضيل، متناولين فيها ما يجري ويدور مع سائق التاكسي.
هذا “الشّيفور” المغلوب على أمره، الذي يصادف في رحلاته اليومية بحثا عن رزقه العديد من المواقف والأحداث والحوادث التي تُشكّل جزءا من هذه المهنة، التي آثرنا أن نُخصّص لمزاوليها هذه الحلقات، عسانا نُحرّك بعض المياه الراكدة تحت جسر هذه المهنة المتعبة، التي لا يتوقف مزاولها عن “حرث” الطرق في مختلف الفصول والظروف والحيثيات.
–إيوا ها حنا كنجبّدو ليها مْصارنها..
قال سائق التاكسي لسائق آخر لحق به في شارة مرور في “الطوالة“.
فهمتُ من كلامهما أن سائقنا بصدد “تجريب” سيارته بعدما أصلح فيها شيئا، وهو الآن يقودها بأقصى سرعة حتى “يُجرّب” هل كلّ شيء يسير على ما يرام..
السابعة و48 دقيقة: أذان صلا ة العشاء. الرحلة على وشك انتهائها، بل سأوقفها قبل المحطة الأخيرة، لأغادر في اتجاه القزادرية، في الوقت الذي سيتوقف الركاب الآخرون بعد أمتار في “عرصة المْعاش“.
ومن هناك يتفرّقون كلّ في اتجاه بحثا عن “مْعاشهم” في أول أيام رمضان، وفي نظراتهم وحركاتهم ما يشي بارتياح واطمئنان ملحوظين بعدما “أعفاهم” الملك من “عقوبة” العيد الكبير، التي كانت تُشكّل ما يُشبه كابوسا كان يجثم على صدور ذوي الدخل المحدود في البلد السّعيد، قبل أن “يُفرحهم” عاهل البلاد من هذه “الفريضة” المُكلّفة.