هذه حكايتي اليوم مع طاكسي مراكش في رحلة رمضانية باردة من القواس في المحاميد إلى عرصة معاش في المدينة القديمة.
مراكش -عبدو المراكشي le12
بوصولي، في العاشرة و28 دقيقة، إلى محطة الطاكسي، لم يعد ينقص سوى راكب واحد.. حضرتْ بعد حين، ألقت السلام وانحشرت في الصفّ الخلفي، قرب شابّين يبدو أنهما لم يركبا من القواس إلى المدينة منذ زمن..
دفعا خمسة دراهم للواحد، بينما سعر الرحلة صار، منذ زمن، ستة دراهم.
الشاب في المقعد الأمامي، وكذا الجالس إلى يساري، في الصف الثاني، غارقان في شاشتي جهازيهما.. الهاتف النقال.
آفة العصر أم نعمته؟!… صرت ترى معظم الناس “سابحين” في عوالمَ افتراضية تنقلها إليهم الصور المتتالية، منفصلين تماما عن “الواقع”..
ماذا كنّا لنفعل، أو بالأحرى لنقولَ، في مثل هذه المواقف لولا أنْ صار كلّ منّا “يختلي” بنفسه إلى “خلويه”، مستغنيا به عن العالم من حوله، أو يكاد إلا من رحم ربي؟..
في السابق، في ذلك الزمن الجميل، الذي صار الآن مُجرّد نوستالجيا، حين لم تكن هناك هواتف “نقّالة” ولا “محمولة” أو “خلوية”، لم نكن “خْلويين” إلى هذه الدرجة…
كان هناك دائما حديث ما في موضوع ما، فنتحدّث في الشّتا أو الجفاف أو في غلاء المعيشة أو في الكرة أو السياسة…
يكون هناك دائما سبب أو مَدخل للحديث في أحد هذه المواضيع أو غيرها حين نكون مثلا في إحدى وسائل النقل.. اليوم، صار “عاديا” جدا ألا تسمع كلمة واحدة طوال رحلة مثل هذه، مثلا…
العاشرة و38 دقيقة، وصلنا “الدورة الأولى في بداية “عرصة المعاش”:
-عافاك أسيدي شي بْلاصة هنا إلى دْرتِ..
كانت أول كلمات أسمعها ويسمعها معي ركّاب هذه الرحلة الليلية الرمضانية، التي حرصتُ، على عادتي، على تسجيل وقائعها لحظة بلحظة “من عين المكان والزمان”…
غادر الطاكسي في “نهاية السير” هذه المرة، وسرت في “عرصة المعاش”، التي لا تزال شبه خالية من روادها، نزولا جهة “باب أكناو”، قبل أن ألفّ يمينا وأواصل سيري نحو “زاويتي” الجديدة في قلب المدينة العتيقة لمراكش لم نعد نعرفها ولا هي تعرفنا كثيرا…
الأجواء الباردة تفرض قوانينها الخاصة، التي تضبط -جنبا إلى جنب مع أجواء “بابا رمضان”- وتيرة الحياة في مدينة يزداد فيها “الخْلويون” يوماً بعد يوم…
هذه حكايتي اليوم مع طاكسي مراكش في رحلة رمضانية باردة من القواس في المحاميد إلى عرصة معاش في المدينة القديمة.