تضمّن مشروع القانون رقم 33.22 المتعلق بحماية التراث، الذي صَدَّق عليه المجلس الحكومي عشية اليوم الخميس، جملة من الإجراءات لتدارك عدم مواكبة النصوص التشريعية للتطورات الراهنة وانحصارها في البعد “المعماري” للتراث، لإيصاد الأبواب أمام المترصدين بالتراث المغربي، كما جاء بعقوبات مشددة على المخالفين لأحكامه تصل في أقصاها إلى 10 سنوات سجنا نافذا.
وأشارت المذكرة التقديمية لمشروع القانون، الذي تحصلت “مدار21” على نسخة منه، إلى أن التطور الطبيعي للمجتمع المغربي وللتوسع العمراني المتسارع خلال العشريات الأخيرة، ولأخطار العولمة الجارفة، عواقب غير محمودة على التراث الوطني الثقافي، إذ “تطرح مسألة مصير الإرث الوطني الثقافي بإلحاح شديد أمام عدم مواكبة النصوص التشريعية للتطورات الراهنة وانحصارها في البعد المعماري للتراث”.
وشددت على أن مشروع القانون رقم 33.22 يأتي ليعزز المقتضيات المنصوص عليها في القانون رقم 22.80 المتعلق بالمحافظة على المباني التاريخية والمناظر والكتابات المنقوشة والتحف الفنية والعاديات، وليلائم الإطار القانوني الوطني المتعلق بحماية وتثمين ونقل التراث الثقافي الوطني مع المعايير الدولية بتوافق مع الالتزامات الدولية المُصدّق عليها من قبل المملكة المغربية وكذا ليدمج المفاهيم الجديدة المعترف بها دوليا فيما يتعلق بالتراث الثقافي.
أهم المرتكزات
وأدرج مشروع القانون الجديد التعاريف الجديدة المتعلقة بمختلف أصناف التراث الثقافي والطبيعي والجيولوجي والتي تواكب المفاهيم الجديدة المعترف بها دوليا فيما يتعلق بالتراث الثقافي وتتلاءم مع التعاريف الحديثة المعمول بها لدى منظمة اليونيسكو، وأحدث مفهوم “المجموعات التاريخية” والتي تتكون من ممتلكات عقارية مجتمعة، مبنية أو غير مبنية، والتي تكتسي أهمية بحكم طابعها المعماري أو حمولتها التاريخية أو تفردها أو انسجامها أو اندماجها مع محيطها مثل المدن العتيقة أو المدن المندثرة أو القرى أوالقصور أو القصبات وغيرها.
وأدخل المشروع صنف التراث الثقافي المغمور بالمياه، الذي يقصد به آثار الوجود الإنساني ذات الطابع الثقافي أو التاريخي أو الأثري أو العلمي أو الفني التي ظلت مغمورة بالمياه جزئيا أو كليا بصفة دورية أو متواصلة والموجودة تحت المياه الوطنية لمدة 100 سنة على الأقل، ولاسيما المواقع والبنيات والبنايات والمواد والبقايا الآدمية أو الحيوانية وحطام السفن.
وأدرج أيضا صنف التراث الثقافي غير المادي الذي يتمثل في مجموع الممارسات والتمثلات وأشكال التعبير والمعارف والمهارات، وكذا الأدوات والقطع والمصنوعات والفضاءات الثقافية المرتبطة بها التي تعتبرها الجماعات والمجموعات والأفراد، جزءا من تراثهم الثقافي إضافة إلى صنف التراث الطبيعي الذي يراد به بصفة عامة كل المعالم الطبيعية التي لها قيمة علمية، أو بينية، أو جمالية، زيادة على صنف التراث الجيولوجي الذي يشمل التشكيلات الجيولوجية والمواقع الجيولوجية والعينات المعدنية والمستحاثات والأحجار النيزكية والوثائق الجيولوجية ذات الأهمية التراثية بالنسبة للتاريخ الطبيعي وعلوم الأرض والحياة عامة، والتي تنتمي للأزمنة الجيولوجية لحقبة ما قبل العصر الجيولوجي الرابع.
وأدخل المشرّع مفهوم منظومة الكنوز الإنسانية الحية التي تمكن نقل المعارف والمهارات ضمانا لاستمرار التراث الثقافي غير المادي.
وأحدث مشروع القانون السجل الوطني لجرد التراث والذي يشتمل على الجرد الوطني للتراث الثقافي غير المنقول والجرد الوطني للتراث المنقول وكذا الجرد الوطني للتراث الثقافي غير المادي والجرد الوطني للتراث المغمور بالمياه والجرد الوطني للتراث الطبيعي والجرد الوطني لتراث الجيولوجي.
وأخضع الأشغال الكبرى والأوراش التي ترتبط بالتراث الثقافي أو تجرى بمحاذاته لدراسة التأثير على التراث والتي تهدف إلى تقييم الآثار السلبية والإيجابية المحتملة على تلك المجموعات التاريخية ولتقديم توصيات وتدابير عملية بهذا الشأن للحد أو التقليص من الآثار السلبية التي قد تلحق بها.
قيود جديدة على التصدير
وقيّد المشروع تصدير الأعمال الفنية من لوحات تشكيلية ورسومات فنية ومنحوتات أو مجسمات فنية أو إيداعات مستوحاة من الصناعة التقليدية التي أنجزها فنانون متوفون، بضرورة حصولها على الترخيص مع السماح للفنانين الأحياء بتصدير أعمالهم بغرض العرض أو البيع وفق شروط محددة أيضا.
وضبَط مشروع القانون ذاته الإجراءات المتعلقة بتفويت المنقولات التراثية والاتجار فيها وتحديد شروط وكيفيات تصديرها إلى الخارج، وتنظيم الأعمال المتعلقة بالأبحاث والاستبارات والحفريات والاكتشافات، سواء منها البرية أو البحرية، وضبط الإجراءات المتعلقة بحالات الاكتشافات العرضية للعقارات والمنقولات ذات الأهمية بالنسبة للتاريخ أو الفنون أو علوم الماضي أو العلوم الإنسانية.
استثناء التراث العسكري والعقارات الموقوفة
واستثنى مشروع القانون التراث الثقافي المتعلق بالتاريخ العسكري من مجال تطبيق هذا القانون والذي تشرف عليه اللجنة المغربية للتاريخ العسكري، وكذلك التراث المرتبط بالعقارات والمنقولات الموقوفة والتي تظل خاضعة لأحكام مدونة الأوقاف، باستثناء الأحكام المتعلقة بتقييد وترتيب هذه الممتلكات الثقافية وكذا ضرورة إخبار الإدارة المكلفة بالتراث عند القيام بعمليات الصيانة أو الإصلاح أو الترميم أو التغيير أو إدخال إضافات عليها وكذا إمكانية طلب المساعدة التقنية منها عند الاقتضاء.
ويعتبر مشروع القانون المواقع الأثرية والمباني التاريخية والمناظر والكتابات المنقوشة والمنقولات من تحف فنية وعاديات التي تم تقييدها أو ترتيبها بموجب الظهائر والقرارات الوزيرية والمراسيم والقرارات الصادرة قبل صدور هذا القانون في حكم التراث الثقافي المنقول وغير المنقول المرتب في عداد التراث.
تعويضات عن الاكتشفات المرخصة والعرضية
وبخصوص الأبحاث والاستبارات والحفريات والاكتشافات، فقد حظرت المادة 98 من مشروع القانون رقم 33.22، لأي كان القيام، دون ترخيص مسبق صادر من الإدارة، بأبحاث أو استبارات أو حفريات في أرضه أو في أرض الغير بهدف البحث عن عقارات أو منقولات قد تكتسي فائدة تاريخية أو أثرية أو أنثروبولوجية أو تهم علوم الماضي والعلوم الانسانية بصفة عامة.
ونصت المادة 99 على أن كل العقارات والمنقولات المكتشفة خلال عمليات الأبحاث والاستبارات والحفريات المأذون بها أو بشكل عرضي ملكٌ للدولة، على أن يُدفَع تعويض إلى حائزها، ويُحدد مقدار هذا التعويض بالمراضاة أو على يد المحاكم.
وفي حالة حصول اكتشافات عرضية أثناء القيام بأي أشغال، لمنقولات أو عقارات ذات أهمية بالنسبة للتاريخ أو الفنون أو علوم الماضي أو العلوم الإنسانية بصفة عامة، نصت المادة 104 على ضرورة أن يخبر المكتشِف على الفور الإدارة أو السلطة المحلية التي يقع داخل نفوذها الترابي المكان الذي تم فيه الاكتشاف، ويتعين على هذه الأخيرة اتخاذ التدابير الوقائية الضرورية وإخطار المصالح الإدارية المختصة.
حق الشفعة للدولة
وخوّلت المادة 109 حق الشفعة للدولة الذي يمكنها ممارسته بخصوص أي تفويت لعقار أو منقول مُقيّد في السجل الوطني لجرد التراث أو مرتب في عِداد التراث، على أن تُحدّد بنص تنظيمي كيفيات ممارسة هذا الحق.
وأوضحت المادة 110 أن تفويت عقار أو منقول مُقيّد أو مرتب يتوقف على تقديم تصريح بذلك للإدارة من لدن المالك، ويُعتبر باطلا كل تفويت لا يتقيّد بهذا الشرط، كما ألزمت المادة 111 بتبليغ المالك من طرف الإدارة خلال الشهرين المواليين لتاريخ تسلم التصريح قرارها باشتراء العقار أو المنقول مقابل الثمن والشروط المحددة أو بالعدول عن الاشتراء.
ويعتبر عدم جواب الإدارة عند انصرام الأجل المشار إليه أعلاه عدولا عن ممارسة حق الشفعة، وفي حالة عدول صريح أو ضمني يمكن للمالك إنجاز التفويت مقابل الثمن والشروط المحددة في التصريح، على أن يقدم تصريح جديد عند كل تغيير يدخل على الثمن والشروط المحددة، وفق المادة ذاتها.
وقيّدت المادة 112 إبرام الإدارة لعقد الشراء في أجل شهرين يبتدئ من تاريخ تبليغ مقررها بممارسة حقها في الشفعة إلى المالك، وفي حالة عدم إبرام عقد الشراء داخل الأجل المشار إليه، جاز للمالك إنجاز التفويت مقابل الثمن والشروط المحددة في التصريح.
وللدولة الحق في ممارسة حق الشفعة في حالة بيع عقار أو منقول بالمزاد العلني مقابل ثمن البيع الذي رسا به المزاد والمصاريف بناء على تصريح تعبر فيه الإدارة عن رغبتها في ممارسة حق الشفعة، ويوجه هذا التصريح إلى كاتب الضبط لدى المحكمة الابتدائية التي يوجد العقار أو المنقول بدائرة نفوذها، بواسطة رسالة مضمونة، خلال الثلاثين (30) يوما الموالية لتبليغ محضر إرساء المزاد إلى الإدارة، ولا يصبح البيع نهائيا إلا ابتداء من التاريخ الذي تبلغ فيه الإدارة قرارها إلى كاتب الضبط أو، إذا لم يتخذ أي قرار في هذا الشأن، عند انصرام أجل الثلاثين (30) يوما المنصوص عليه في الفقرة الأولى أعلاه، حسب منطوق المادة 113 من مشروع القانون.
صلاحية إثبات المخالفات
ومنح المشرّع في المادة 114 صلاحية إثبات مخالفات أحكام هذا القانون والنصوص الصادرة لتطبيقه، علاوة على ضباط الشرطة القضائية، للأعوان الذين تؤهلهم الإدارة المكلفة بالتراث، ومراقبو التعمير التابعون للوالي أو العامل أو الإدارات المخوّل لهم صفة ضابط الشرطة القضائية، والأعوان الذين تؤهلهم الإدارات المكلفة بالشؤون البحرية والمياه والغابات بالنسبة للتراث الثقافي المغمور بالمياه، كل واحدة فيما يخصها، إضافة إلى الأعوان الذين تؤهلهم الإدارة المكلفة بالجيولوجيا فيما يخص التراث الجيولوجي زيادة على أعوان إدارة الجمارك.
وخوّلت الفقرة الثانية من المادة ذاتها للأشخاص المشار إليهم أعلاه تحرير محاضر ترفع، داخل أجل عشرة أيام من تاريخ تحريرها، إلى النيابة العامة المعنية وإلى السلطة الحكومية المختصة.
ونصت المادة 115 على أنه يمكن لكل شخص ذاتي أو اعتباري إخبار السلطات القضائية أو الإدارية المختصة بأي مخالفة ثابتة تمت معاينتها بشكل واضح في حق ملك ثقافي. كما يمكن، وفقا لأحكام قانون المسطرة الجنائية، لكل جمعية لها صفة المنفعة العامة وتهدف بموجب قانونها الأساسي إلى العمل من أجل حماية التراث الثقافي، بأن تنصب نفسها طرفا مدنيا في ما يخص الدعاوى العمومية المقامة عند مخالفة أحكام القانون.
عقوبات مشددة لتعزيز الحماية القانونية
وأدرج مشروع القانون مقتضيات تهدف إلى تعزيز الحماية القانونية للمحافظة على التراث الثقافي بتشديد العقوبات المترتبة عن مخالفة القانون.
ووفق المادة الـ117، يُعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة تتراوح بين 35 ألف درهم و200 ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، كل من قام ب سرقة منقولات مقيدة أو مرتبة، أو تصدير منقولات مقيدة أو مرتبة إلى خارج التراب الوطني خلافا للمقتضيات المنصوص عليها في المادتين 15 و57 من هذا القانون.
وفي حالة ارتكاب الأفعال المشار إليها أعلاه في إطار عصابة إجرامية منظمة، شدّد مشروع القانون العقوبة لتصل إلى السجن من ثلاث إلى عشر سنوات وبغرامة تتراوح بين خمسين ألف درهم و500 ألف درهم.
ويعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبغرامة تتراوح بين 35 ألف درهم 150 ألف درهم أو إحدى هاتين العقوبتين فقط كل من قام بهدم أو تخريب أو تشويه، جزئي أو كلي، لعقار مقيد أو مرتب، أو بتر أحد العناصر المكونة له؛ أو تخريب أو تشويه، جزئي أو كلي، لمنقول مقيد أو مرتب، أو تحريفه أو إتلافه أو بتر أحد العناصر المكونة له؛ أو تفكيك أو تفريق منقولات التي أريد لها في الأصل أن تبقي مجتمعة.
ويعاقب أيضا بالحبس من ستة (6) أشهر إلى سنتين وبغرامة تتراوح بين 10 آلاف درهم و200 ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، كل من لم يقم بالتبليغ المنصوص عليه في المادتين 14 و32 من هذا القانون، أو قام بتغييرات، أيا كانت طبيعتها، عن طريق التجزئة أو التقسيم داخل منطقة الحماية الخاصة بالعقار المرتب دون الحصول على رخصة واستطلاع رأي الإدارة؛ أو قام بأشغال الإصلاح والترميم، دون احترام أحكام المواد 13 و37 ,51 من هذا القانون؛ أو فوت العقارات أو المنقولات المقيدة أو المرتبة دون تقدم تصريح بذلك؛ أو قام بالأبحاث أو الاستبارات أو الحفريات النصوص عليها في المادة 98 دون الحصول على ترخيص مسبق من الإدارة؛ أو لم يخبر السلطات المعنية بالمنقولات أو العقارات المكتشفة بصفة عرضية أو أثناء القيام بالحفريات المرخص بها؛ أو فوت عقارا أو منقولا مقيدا أو مرتبا دون إخبار الطرف المقتني بوجود التقييد أو الترتيب.