أعربت العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان عن قلقها العميق إزاء استمرار تفشي ظاهرة الرشوة في مختلف القطاعات الحيوية، مما يقوض حقوق المواطنين ويُضعف ثقتهم في المؤسسات.
ونبهت العصبة، في بيان لها بمناسبة اليوم الوطني لمحاربة الرشوة (6 يناير)، إلى أن الرشوة ليست مجرد ممارسة غير قانونية تنتهك القوانين والتشريعات، بل أصبحت سلوكًا يرسخ ثقافة الفساد، ويؤدي إلى تدهور القيم الأخلاقية داخل المجتمع. كما اعتبرت أن الرشوة آفة تعرقل التنمية وتزيد من معاناة الفئات الهشة، حيث تعيق الحصول على الخدمات الأساسية، وتُضعف كفاءة الإدارة العمومية، وتؤدي إلى هدر الموارد العامة.
وأكدت العصبة أنه، وعلى الرغم من الجهود المبذولة لمحاربة هذه الآفة، إلا أنها ما زالت مستشرية، مما يستدعي مراجعة شاملة وشجاعة لمكامن الخلل. وأشارت إلى أن الأرقام والتقارير الصادرة عن مؤسسات وطنية ودولية تُظهر استمرار تفشي الرشوة، وتدق ناقوس الخطر، مما يفرض التحرك بشكل عاجل وجدي.
وتوقف البيان عند التقرير الأخير الصادر عن الهيئة الوطنية للنزاهة، الذي يعد أبرز دليل على فشل الحكومات المتعاقبة في محاربة الفساد والرشوة. وأشار التقرير إلى أن الفساد يمتص ما بين 4 إلى 6% من مجموع الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل خسارة 50 مليار درهم سنويًا.
كما أشار البيان إلى تراجع المغرب في مؤشر مدركات الفساد لعام 2023، حيث حصل على 38 نقطة من 100، متراجعًا بـ5 نقاط خلال السنوات الخمس الأخيرة. وقد انعكس هذا التراجع على ترتيب البلاد، حيث انتقلت من الرتبة 73 ضمن 180 دولة في عام 2018، إلى الرتبة 97 في عام 2023.
وأكد حقوقيو العصبة أن الرشوة تُعد معيقًا رئيسيًا في طريق التنمية، وأن تكاليف الفساد المرتفعة تتحملها الفئات الضعيفة. وانتقدوا تعامل الحكومة مع الهيئة الوطنية للنزاهة بعد كشفها عن حجم الفساد الكبير، من خلال مهاجمتها والطعن في مصداقيتها وتقزيم ميزانيتها السنوية.
واعتبرت العصبة أن ضعف التفاعل مع توصيات الهيئة، بصفتها مؤسسة دستورية، يعد مشاركة غير معلنة في تفشي الظاهرة. وأكدت على ضرورة تحمل الحكومة مسؤوليتها في هذا الصدد، وعدم التطبيع مع الرشوة والفساد بردود أفعال غير مسؤولة.
وطالبت العصبة بتعزيز الشفافية والمساءلة في الإدارة العمومية، وتقوية الإطار القانوني والمؤسساتي لمحاربة الرشوة، عبر تفعيل الدور الحقيقي لـ”الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها”، وضمان استقلاليتها وفعالية تدخلاتها. كما دعت إلى توفير الحماية القانونية للمبلغين عن الفساد، وتشديد العقوبات على مرتكبي جرائم الرشوة، مهما كانت مواقعهم أو مسؤولياتهم.
ودعا البيان إلى تعزيز التربية على قيم النزاهة والشفافية، من خلال إدماج مواد تعليمية في المناهج الدراسية، وتحفيز الأجيال الصاعدة على رفض الرشوة بكل أشكالها. كما طالب بإشراك المجتمع المدني بشكل فعال في محاربة الرشوة، وإطلاق حملات توعوية مستمرة، مع تعزيز دور الإعلام في فضح قضايا الرشوة والفساد، وضمان حماية الصحفيين الاستقصائيين الذين يعملون على كشف هذه القضايا.