استنكرت تنظيمات حقوقية مغربية رفع محكمة الاستئناف بمراكش، أمس الثلاثاء، عقوبة الناشط المدني سعيد آيت مهدي، المدافع عن حقوق ضحايا زلزال 8 شتنبر، إلى سنة حبسا نافذا بعدما كان قد أدين في المرحلة الابتدائية بثلاثة أشهر حبسا نافذا؛ فقد اعتبرت هذه التنظيمات أن “الدرجة الثانية من التقاضي كان بإمكانها إسقاط التهم الموجهة إليه وتصحيح الحكم الابتدائي”.
وشدد الحقوقيون على “أنه، دون أي تحقير لمقرر قضائي، فإن تحويل البراءة للمتابعين الثلاثة الآخرين إلى الإدانة والحبس النافذ لمدة أربعة أشهر لكل واحد منهم يُعتبر تراجعا كبيرا، لا سيما أن الدفاع عن مصلحة المتضررين من تداعيات الزلزال كان ينتظر جزاء مختلفا”، داعين “العقلاء في البلد إلى إيقاف مسلسل المتابعات وتهدئة الوضع الذي يشهد تدهورا على الصعيد الحقوقي في المغرب”.
“حكم مفاجئ”
عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، عبّر عن تضامنه مع المناضل الحقوقي والناشط المدني ومن معه، باعتبار أن “قضيتهم مرتبطة برغبة في تكميم الأفواه”، قائلا: “كنا نأمل أن تقضي محكمة الاستئناف ببراءته من عقوبة الحبس التي صدرت في حقه ابتدائيا؛ إلا أن القرار الاستئنافي فاجأنا، وأصبحنا نتساءل أين الخلل؟ ماذا يجري؟ وهل وُجهت إلى المعني تهم لا يعلمها الرأي العام، مثلا؟”.
وأورد الخضري، في تصريحه لجريدة هسبريس، أن “الناشط المذكور كان معروفا بدفاعه المستميت عن حقوق ضحايا الزلزال المدمر الذي ضرب مناطق عديدة؛ من ضمنها إقليم الحوز”، مشيرا إلى “ترافع آيت مهدي البارز بخصوص المساعدات التي تقرر تخصيصها لهم”.
وتابع رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان: “شهدت عملية توزيع تلك المساعدات خروقات كثيرة ومسترسلة، يعرفها القاصي والداني. وكان من المفترض التحقيق في هذه التجاوزات وإحالة المتورطين فيها على القضاء”.
وشدد الفاعل الحقوقي عينه على أن “هذه الخروقات تسببت في ترك آلاف المواطنين تحت رحمة التشرد والضياع ونوائب الجغرافيا والمناخ”، لافتا إلى أن “ما جرى في ملف آيت مهدي يشي بأن الحكومة المغربية باتت تواجه انتكاساتها وفشلها بمزيد من القمع والتهديد والمتابعات القضائية في حق كل من ندّد بتجاوزاتها من الضحايا ومن نشطاء حقوقيين وإعلاميين؛ وهذا تطور ينذر بأفق مشؤوم بشأن وضعية حقوق الإنسان في بلادنا”.
“استفهامات حقوقية”
إدريس السدراوي، رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، سجل أن “آيت مهدي ظلّ يناضل بكل إخلاص من أجل حقوق الضحايا الاقتصادية والاجتماعية عقب الزلزال”، مردفا أن “تشديد الحكم في حقه يعكس تراجعا إضافيا في مجال حقوق الإنسان في البلاد، ويؤكد أن الحلول لا يمكن أن تكون في الاعتقالات أو القمع؛ بل في الاستجابة العادلة للمطالب الاجتماعية المشروعة”.
وذكر السدراوي، في تصريحه لهسبريس، أن “الجميع يعرف أن المتابع كان مدافعا عن حقوق الفئات الأضعف في المجتمع، الذين تعرضوا لمعاناة مضاعفة جراء الكارثة الطبيعية”، مبرزا أن “دفاعه عن هذه الفئات الضعيفة لا يمكن أن يكون مبررا لتشديد الأحكام أو السعي إلى تقويض حرياته وحقوقه الأساسية”.
وأضاف رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان: “الحلول يجب أن تكون من خلال حوار بناء مع المجتمعات المتضررة، والاستماع إلى مطالبهم التي تتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية”.
واعتبر المتحدث أن “ملاحقة النشطاء المدافعين عن حقوق الإنسان تحت أي ظرف هو انتهاك مزدوج للحقوق وللمبادئ الأساسية للعدالة وحقوق الإنسان”، مطالبا بـ”فتح تحقيق عاجل حول كيفية تعاطي السلطات مع ضحايا الزلزال، وبالخصوص فيما يتعلق بعدم إنصاف هؤلاء الضحايا في مسألة تعويضاتهم وإيوائهم. يجب أن يتم ترتيب الجزاءات اللازمة ضد مسؤولين عن تقصيرهم في تقديم الدعم الفوري والضروري للمتضررين، بما في ذلك إيواء المشردين وتوفير المساعدات الإنسانية اللازمة”.
يُذكر أن النيابة العامة تابعت الناشط المدني سعيد آيت مهدي بتهم “بث وتوزيع ادعاءات ووقائع كاذبة بقصد المس بالحياة الخاصة للأشخاص والتشهير بهم، وإهانة هيئة منظمة وموظفين عموميين أثناء قيامهم بوظائفهم أو بسبب قيامهم بها، والاعتداء على موظف عمومي بسبب مزاولته مهامه، والتحريض على ارتكاب جناية أو جنحة بواسطة وسيلة إلكترونية تحقق شرط العلنية”. كما أن محاكمته تأتي على خلفية ثلاث شكاوى تقدم بها كل من عامل إقليم الحوز، وخليفة قائد بقيادة ثلاث نيعقوب، وعون سلطة بالقيادة نفسها التابعة لإقليم الحوز؛ أحالها وكيل الملك لدى ابتدائية مراكش على المركز القضائي للدرك الملكي بتحناوت من أجل إنجاز بحث قضائي تمهيدي بشأنها، ليقرر متابعته في حالة اعتقال وإيداعه السجن المحلي لوداية رفقة ثلاثة متهمين آخرين.