رافق افتتاح الدورة الخريفية من البرلمان حضور نواب متابعين قضائيًا، تزامنًا مع تصاعد الحديث عن تخليق الحياة السياسية بالمغرب، واعتماد مدونة السلوك البرلمانية، وعودة جدل تأثير هذا الحضور على ثقة المواطنين في هذه المؤسسة التشريعية.
وعرفت السنوات الأخيرة تنامي عدد البرلمانيين المتابعين أمام المحاكم في جرائم تتعلق بالدرجة الأولى بالمال العام، ما أثار نقاشًا حول حضورهم إلى البرلمان كنواب عن الأمة، وخاصة خلال يوم الافتتاح، حيث الخطاب الملكي.
وفي يوليوز المنصرم صادق مجلس النواب على النظام الداخلي، الذي تضمن إقرار مدونة الأخلاقيات والسلوك؛ كما وقّع مجلس المستشارين على مدونة السلوك والأخلاقيات البرلمانية الخاصة به.
وبين قرينة البراءة وثقة المواطنين في البرلمان استقر رأي عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ القانون الدستوري بجامعة الحسن الأول بسطات، على أن “مدونة السلوك البرلمانية جاءت دون مستوى استحقاقات ورهانات المؤسسة التشريعية باعتبارها مؤسسة سيادة بامتياز”.
وأضاف اليونسي، في تصريح لهسبريس، أن “هذه المدونة تضمنت مبادئ أخلاقيات العمل النيابي، وحددت إجراءات جد مخففة، سواء تعلق الأمر بالغياب أو بعدم احترام ضوابط العمل البرلماني”، مشيرًا إلى أنه “ضمن هذا السقف لم تتضمن المدونة أي إشارة للإجراءات التي يمكن اتخاذها في مواجهة النواب المتابعين أمام المحاكم”.
واعتبر المتحدث نفسه أن “قرينة البراءة صحيح أنها مبدأ دستوري لا يمكن تقييده أو المساس به لكن تنامي عدد البرلمانيين المتابعين أمام المحاكم في جرائم وتهم متعددة كان من المفروض أن يفتح الباب أمام اجتهاد وإقرار إجراءات احترازية، من قبيل التوقيف المؤقت عن مزاولة المهام إلى حين بت القضاء في الملف المعروض”.
ولفت أستاذ القانون الدستوري بجامعة الحسن الأول بسطات إلى أن “الاختباء خلف قاعدة الحكم النهائي يُضعف الثقة في البرلمان والقضاء أيضًا، في ظل وجود ثغرات مسطرية تطيل من عمر الملف أمام المحاكم وتُظهر القاعدة القانونية دون قوة ودون نفاذ وجزاء”.
من جهته اعتبر محمد زين الدين، أستاذ العلوم السياسية، أن “التفسير القانوني لهذا الحضور واضح، لكون المتهم بريئا حتى تثبت إدانته”، ما يعني أن “حضور هذه الأسماء أمس كان سليمًا”.
واستدرك المتحدث نفسه بأنه “على المستوى السياسي تُعد هذه الخطوة ضربة جديدة في مسلسل الثقة بين المواطن والمؤسسة التشريعية، إذ يرى المواطن متابعين في قضايا تتعلق بالمال العام يجلسون في هذه المقاعد التي تمثله”.
وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى أن “الأمر لا يتعلق بمدونة السلوك البرلمانية فحسب، بل بمستويات تنزيلها، وأيضًا مسؤولية الأحزاب السياسية بالمغرب في اختيار أسماء ممثليها في البرلمان، دون تمحيص دقيق، أو تقييم لرؤيتها السياسية”.
وشدّد زين الدين على أن “غياب الأحكام القضائية النهائية دفع قانونيًا هؤلاء البرلمانيين إلى الحضور، وهذا الأمر في حد ذاته يضع الأحزاب السياسية في مسؤولية مباشرة أمام تهديد هذه المظاهر حبل الثقة الضعيف بين المواطنين والبرلمان”.