في خضم التحديات الإقليمية والدولية التي واجهها المغرب خلال عام 2024، واصلت الدبلوماسية المغربية جهودها الحثيثة لدعم قضيته الوطنية العادلة المتعلقة بالصحراء المغربية. هذه القضية، التي تمثل جوهر السياسة الخارجية للمملكة، شهدت العديد من المحطات البارزة على مدار العام، مما يعكس الجهود المتواصلة لتعزيز سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.
تمكن المغرب خلال هذه السنة من تحقيق تقدم كبير في إقناع العديد من الدول بضرورة الاعتراف بمغربية الصحراء، حيث حققت الدبلوماسية المغربية نجاحات ملحوظة على الساحة الدولية. وشهدت علاقات المملكة مع القوى الكبرى تطورات إيجابية، فتحت آفاقا جديدة للتعاون الاستراتيجي، بما في ذلك اعتراف عدد من الدول بسيادة المغرب على صحرائه وافتتاح قنصليات في مدن الأقاليم الجنوبية، مما عزز حضور المغرب في الساحة الدولية.
كما سحبت العديد من دول العالم الاعتراف بالجمهورية الوهمية، كان آخرها دولة الإكوادور، حيث أكدت وزيرة العلاقات الخارجية والتنقل البشري بجمهورية الإكوادورية، غابرييلا سوميرفيلد، يوم الاثنين 02 دجنبر الجاري، مجددا، على القرار الذي اتخذته بلادها بتعليق اعترافها ب”الجمهورية الصحراوية” الوهمية، مبرزة أهمية مبادرة الحكم الذاتي في منطقة الصحراء التي قدمتها المملكة سنة 2007.
دعم مغربية الصحراء
وتكتسي سنة 2024 بعدا خاصا في سياق تزايد الدعم الدولي لمغربية الصحراء، والذي كان آخر أشكاله الاعتراف الرسمي الفرنسي، في الرسالة التي وجهها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للملك محمد السادس بمناسبة الذكرى السنوية لعيد العرش أواخر شهر يوليوز المنصرم. وجدد ماكرون التأكيد على الموقف والاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء، أثناء زيارة الدولة التي قام بها إلى الرباط بدعوة من الملك محمد السادس ما بين 28 و30 أكتوبر المنصرم.
ورغم محاولات بعض الأطراف الإقليمية والدولية عرقلة مسار القضية، أثبتت الدبلوماسية المغربية قدرتها على مواجهة هذه التحديات بشجاعة وحكمة. فقد ركزت على تسويق الحل السياسي التوافقي المتمثل في مبادرة الحكم الذاتي التي طرحها المغرب، والتي تعتبر الخيار الأكثر استقراراً وواقعية لحل النزاع المفتعل، وتحظى بدعم واسع على المستويين الإقليمي والدولي.
في هذا السياق، صرح صبري الحو، الخبير في القانون الدولي وقضايا الهجرة ونزاع الصحراء، بأن المغرب نجح خلال عام 2024 في فرض إرادته وتحقيق تقدم ملموس في قضية الصحراء المغربية، ليؤكد مكانته كفاعل رئيسي في صناعة الحل النهائي للنزاع. وأوضح أن هذا التوجه يعكس سياسة مغربية متينة، تستند إلى الحزم والصرامة في مواجهة الخصوم، وإلى استراتيجية شاملة تعزز الإجماع الوطني وترتكز على العقلانية والذكاء في معالجة القضية.
تحالفات دولية
وأضاف الحو، في تصريح لجريدة “العمق”، أن تحركات المغرب الدبلوماسية خلال 2024 أسفرت عن دعم دولي متزايد لمبادرة الحكم الذاتي، مع تراجع مواقف بعض الدول التي كانت تعترف بالجبهة الانفصالية “بوليساريو”. كما أبرز أن مجلس الأمن الدولي شدد في أكتوبر 2024 على أهمية إيجاد حل عملي وواقعي للنزاع، مع منح الأولوية للمبادرة المغربية، مما شكل سابقة مهمة في المفاوضات الأممية، إذ تراجع الطرح التقليدي لتقرير المصير لصالح رؤية واقعية تدعم الموقف المغربي.
وعلى الجانب الآخر، أشار الحو إلى تراجع الدور الجزائري في الملف، حيث شهدت الجزائر عزلة متزايدة نتيجة تورطها في تحالفات دولية غير مؤثرة، فضلاً عن صراعاتها مع قوى دولية مثل روسيا وإيران، ما أضعف موقفها في نزاع الصحراء المغربية.
على الصعيد الداخلي، استمر المغرب في تعزيز قوته الاقتصادية والسياسية، من خلال إطلاق مشاريع استراتيجية تركز على التنمية المستدامة في القارة الإفريقية. من أبرزها مشروع أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب، الذي يعزز التعاون الاقتصادي في غرب إفريقيا، والمبادرة الملكية الأطلسية لتطوير البنية التحتية. هذه المبادرات جعلت المغرب لاعبا رئيسيا في القارة، ليس فقط اقتصادياً بل سياسياً أيضاً، حيث أصبح شريكا موثوقا للدول الإفريقية والدول الكبرى.
وأوضح المحامي بهيئة مكناس أن المغرب عزز علاقاته مع القوى الكبرى، حيث حصل على دعم قوي من الولايات المتحدة التي تبنت مشروع الحكم الذاتي وأكدت سيادة المغرب على صحرائه. كما أن المواقف الإيجابية لإسبانيا وفرنسا، اللتين أعلنتا دعمهما الصريح للمغرب، ساهمت في ترسيخ هذا التوجه، مع تأكيد الرئيس الفرنسي في خطاب أمام البرلمان المغربي أن الصحراء جزء لا يتجزأ من السيادة المغربية.
وختم الحو تصريحه بالقول إن عام 2024 كان حاسما في مسار نزاع الصحراء المغربية، حيث نجح المغرب في تغيير المعادلة الدبلوماسية لصالحه، مؤكدا أن المملكة أصبحت قوة مؤثرة في صياغة الحل النهائي، مدعومة باعتراف دولي متزايد بشرعية سيادتها على الصحراء.
دبلوماسية الحزم
في وقت تشهد فيه العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي تحولات حاسمة، دعا ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، الاتحاد الأوروبي إلى “ترجمة أقواله حول الشراكة مع المغرب إلى أفعال حقيقية”، مؤكدا أن الشراكة بين الرباط وبروكسل دخلت مرحلة مفصلية، تتسم بوجود “تحرشات قانونية واقتصادية” تثير العديد من التساؤلات.
وفي سياق ندوة صحافية مشتركة مع أوليفر فارهيلي، المفوض الأوروبي المكلف بالجوار والتوسع، شدد بوريطة على ضرورة أن يقدم الاتحاد الأوروبي إجابات عملية تتماشى مع التحديات المطروحة، مع التأكيد على أهمية تقديم إشارات وحلول تعكس التزامه العميق والفعلي في دعم هذه الشراكة الاستراتيجية.
المحلل السياسي والمختص في العلاقات الدولية، خالد الشكراوي، أكد في هذا السياق أن المغرب يواصل اتباع نفس المنهج الدبلوماسي الذي اعتمده في السنوات الماضية، وهو نهج ثابت في علاقاته الدولية.
وأوضح الشكراوي، أن هذا التوجه ليس تغييرا في السرعة أو أسلوب العمل، بل هو استمرار لنهج استراتيجي بدأته الدبلوماسية المغربية منذ زمن، وهو ما يظهر بوضوح من خلال التصرفات الدبلوماسية للمملكة، وكذلك من خلال العديد من الخطب الملكية التي خصصها الملك محمد السادس لمناقشة هذا الملف، والتي أكدت ضرورة احترام المبادئ الأساسية التي يقوم عليها العمل الدبلوماسي المغربي، وعلى رأسها احترام الوحدة الوطنية والترابية للمملكة.
وشدد المتحدث ذاته، على أن المطالب المغربية في هذا السياق هي مطالب شرعية، إذ لا يمكن للمغرب أن يتعامل مع الوضع الحالي في الاتحاد الأوروبي دون أن يتحمل الاتحاد مسؤوليته تجاه هذا التباين داخل مؤسساته، ولا يمكن في أي حال من الأحوال عقد معاهدات واتفاقيات لتأتي بعدها مجموعة من المؤسسات الأوروبية تتدخل لتغيير هذه الاتفاقات من جانب واحد.
هذا التناقض الكبير داخل الاتحاد الأوروبي حسب المصدر ذاته، يثير تساؤلات حول مدى التزام هذه المؤسسات بتعهداتها مع المغرب، خاصة وأن المسؤولين عن هذه المواقف هم صناع القرار في الاتحاد، من حكومات وأحزاب سياسية، التي تدير الشأن الوطني الأوروبي وتنسق كذلك بشأن القضايا القارية.
وفي إطار هذا الوضع، أشار المحلل السياسي إلى أن المغرب ليس معنيًا بالتدخل في الشؤون الداخلية للاتحاد الأوروبي، إلا أنه يُطالب بأن يكون هناك تنسيق واضح ووحدة في الرؤى داخل الاتحاد، موضحا أن “المغرب لا يمكنه أن يتعامل مع تناقضات لم يكن وراءها ولم يساهم في خلقها، وبالتالي فإن الأوروبيين يجب أن يتحملوا مسؤوليتهم في هذا الشأن”.
وفيما يتعلق بمستقبل التعاون بين المغرب والاتحاد الأوروبي، أكد الشكراوي أن الأمور واضحة بالنسبة للمغرب: إذا استمر التعاون الاقتصادي بالشكل الذي هو عليه، فسيستمر المغرب في علاقاته مع الاتحاد، لكن إذا حدث العكس، فإن المملكة ستعيد النظر في سياستها، وفي حال كان الاتحاد الأوروبي يحترم المبادئ التي يرتكز عليها التعامل مع المغرب، فإن المملكة ستسعى إلى تعزيز التعاون في إطار متعدد الأطراف.
وقال الشكراوي: “إنها مسألة خيارات سياسية وتحمل المسؤولية، ولا شيء أكثر من ذلك”، مشيرًا إلى أن رسالة وزير الخارجية المغربي كانت واضحة في هذا السياق.
وخلص المحلل السياسي، خالد الشكراوي، بالتأكيد على أن مسألة الاعتراف بالمغرب في سياق العلاقات الدولية تتجسد بشكل أكبر من خلال التعاون الثنائي مع الاتحاد الأوروبي، وليس عبر العلاقات متعددة الأطراف فقط، ما يعني أن الاتحاد الأوروبي ملزم بالوفاء بتعهداته مع المغرب، مشيرًا إلى أن المشكلة الحقيقية تكمن في تصرفات بعض المؤسسات الأوروبية التي تستمر في تغيير مواقفها بين الحين والآخر، مما يضعف الثقة في استمرارية هذه العلاقة.
جدير بالذكر أن محكمة العدل الأوروبية ألغت قبل أسابيع اتفاقية الصيد البحري والزراعة التي تم توقيعها بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المغربية في عام 2019، وقررت المحكمة أن الاتفاقية لم تراعي المبادئ الأساسية للقانون الدولي، وخاصة مبدأ “تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية”، حسب قولها.