تشهد الساحة السياسية المغربية حراكًا لافتًا يعكس تغيرات في مواقف بعض الأحزاب المشاركة في التحالف الحكومي، حيث بدأ حزب الاستقلال، الذي كان يُعتبر حتى وقت قريب من أبرز الداعمين لاستمرار الحكومة، في انتهاج خطاب أكثر انتقادًا للسياسات العمومية، ما أثار تساؤلات حول خلفيات هذا التحول وتداعياته المستقبلية.
في هذا السياق، نظم حزب الاستقلال، يوم أمس الخميس، من خلال رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين، ندوة سلطت الضوء على موضوع بالغ الأهمية يتعلق بمستقبل النظام الصحي في المغرب.
وتمحور النقاش حول ضرورة الحفاظ على استدامة المستشفى العمومي كركيزة أساسية للنظام الصحي الوطني وأحد رموز الدولة الاجتماعية.
خلال هذه الندوة، ناقش الخبراء والمشاركون وضع القطاع الصحي الحالي، مع الإشارة إلى الاختلالات التي تعيق تقدمه، وعلى رأسها النقص الحاد في الأطر الطبية، وضعف البنية التحتية، وتوزيع الخدمات بشكل غير متكافئ بين مناطق المملكة.
هذه الاختلالات تفاقمت مع تزايد هجرة الكفاءات الطبية إلى الخارج، ما جعل تحسين القطاع الصحي مطلبًا ملحًا لضمان نجاح مشروع التغطية الصحية الشاملة.
وفي هذا الإطار، شدد المتدخلون على ضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية في الولوج إلى الرعاية الصحية.
وأوصوا بالاستثمار في تحسين قدرات المستشفيات العمومية عبر زيادة عدد الموظفين، وتطوير بنيتها التحتية، وتعزيز الرقمنة لضمان تقديم خدمات صحية فعالة وسريعة.
وفي كلمة له خلال الندوة، أكد الأمين العام لحزب الاستقلال، نزار بركة، على أهمية اقتصاد الصحة باعتباره رافعة حقيقية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وأشاد بالرؤية الملكية التي أرست خارطة طريق واضحة لتطوير هذا القطاع، مؤكدًا أن نجاح التغطية الصحية الشاملة رهين بتعزيز قدرات القطاع الصحي العام ليتمكن من استيعاب الطلب المتزايد على خدماته.
كما تطرق بركة إلى قضية السيادة الصحية، مشيرًا إلى أن المغرب ينتج حاليًا 70% من احتياجاته الدوائية، لكنه بحاجة إلى توسيع هذه القدرة الإنتاجية لتشمل الأسواق الإفريقية، بما ينسجم مع سياسة المملكة في تعزيز التعاون الاستراتيجي مع بلدان القارة.
وسبق أن وجه نزار بركة انتقادات حادة للأداء الحكومي، خصوصًا فيما يتعلق بقضايا التشغيل وارتفاع الأسعار والدعم الحكومي.
وخلال لقاء تلفزيوني سابق في برنامج “نقطة إلى السطر” الذي تبثه القناة الأولى، انتقد بركة ما وصفه بـ”الجشع ومنطق الهمزة”، مشيرًا إلى أن بعض المستوردين استغلوا الدعم الحكومي المخصص لاستيراد الأغنام، حيث قاموا برفع الأسعار بنسبة 100%، ما حرم المواطنين من الاستفادة الفعلية من هذا الدعم.
وأكد بركة خلال اللقاء أن تقديم الدعم يجب أن يكون مشروطًا بتخفيض الأسعار لضمان استفادة المستهلكين منه مباشرة، مشددًا على ضرورة وضع “ميثاق أخلاقي اقتصادي” يضمن الشفافية والعدالة في التعاملات التجارية.
كما أقر بركة بأن تحقيق هدف الحكومة بتوفير مليون فرصة عمل خلال هذه الولاية يظل تحديًا صعبًا يستدعي إجراءات أكثر فعالية لتحفيز فرص الشغل.
هذا التصعيد في خطاب حزب الاستقلال يثير تساؤلات حول موقفه المستقبلي داخل التحالف الحكومي، خاصة مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2026.
فبينما يُصر بركة على مواصلة الضغط لتحقيق إصلاحات عميقة، تبقى الأنظار مشدودة إلى مآلات هذا التحول في المشهد السياسي المغربي، وما إذا كان إيذانًا بمرحلة جديدة من الاصطفافات والتحالفات السياسية.