يونس جنوحي
سباق الحجز في الفنادق للاحتفال برأس السنة الميلادية، يشهد أمتاره الأخيرة هذه الأيام.
حرب عالمية أخرى في الأسعار والمنافسة بين الفنادق في أشهر المدن العالمية.
في المغرب، تتربع فنادق مراكش على عرش تمثيل البلاد في هذا السباق العالمي. والنتيجة أن “أبناء البلد”، يا حسرة، يُطحنون تحت أرجل هذه المنافسة. ويصل سعر الليلة الواحدة للمبيت في مراكش، ما يكفي أسرة مغربية لقضاء عطلة محترمة لعدة أيام في جنوب إسبانيا مثلا.
هذا السباق المحموم حول الأسعار، جعل السياح، مغاربة وأجانب، يلجؤون إلى كراء الشقق عن طريق التطبيقات الذكية بدل الذهاب إلى الفنادق السياحية.
صدر تقرير مهم هذه الأيام، يتناول دراسة حول الفنادق وسيطرة الوكالات عليها. والصادم أن بعض الشركات تسيطر على الحجوزات حول العالم، مما يجعل أسعار المبيت في غرف الفنادق يصل إلى مستويات فلكية.
“اشتر الآن وادفع لاحقا”، سياسة تسويقية ابتكرتها شركة صينية في إطار المنافسة بين الشركات العالمية للحجز في الفنادق حول العالم. حتى إن موقعا صينيا متخصصا في التسويق للحجز الفندقي حول العالم، تُديره وكالة سفر صينية، أطلق يوم 11 أكتوبر الماضي عرضا تسويقيا “خُرافيا” للحجز الفندقي، وباع 100 ألف عرض فندقي مدتها ثلاث ليال للمبيت في عشر دقائق فقط! نعم، بيعت أكثر من 300 ألف ليلة فندقية في عشر دقائق فقط، بقيمة 140 دولارا أمريكيا للحجز الواحد.
التقرير الذي نشرته مواقع متخصصة أمريكية، حذر من تداعيات حجوزات من هذا النوع، وتأثيرها على اقتصاد الفنادق الكبرى، بحكم أن هذه السياسة سوف تكرس أزمة الحجز في الفنادق ولا تخدم سوى التطبيقات والشركات المتخصصة في الحجز. ويضيف التقرير أن أسعار الحجز عرفت انخفاضا كبيرا بسبب هذه المنافسة، وهوت في مدة قصيرة من معدل 70 دولارا أمريكيا إلى 42 دولارا للحجز في نفس الفنادق. وهذا ما أثر على الجودة، إذ أن فنادق 5 نجوم و4 نجوم، عملت على تخفيض الخدمات وإزالة بعض وسائل الراحة لتقليص خسائرها.
تُوجه أصابع الاتهام إلى الشركات الوسيطة، ومن بينها هذه الشركات الصينية، التي تهيمن على عمليات بيع حجز الغرف الفندقية حول العالم عبر التطبيقات الذكية. إذ أن هامش ربح هذه الشركات الوسيطة يفوق بكثير ما تربحه الفنادق التي تتحمل مصاريف تجهيز الغرف وأداء الضرائب وتستثمر ملايين الدولارات لتزويد فنادقها بوسائل الراحة.
صحيفة “وورلد جورنال” الصينية، الناطقة باللغة الإنجليزية، وصفت ما وقع خلال عطلة أكتوبر بأنها: “أسوأ أسبوع ذهبي وطني”. وذكرت الصحيفة أن تراجع الأسعار بسبب المنافسة قلّص عملية الإنفاق كثيرا -لم يتجاوز 7،9 بالمئة فقط- علما أن الأمر يتعلق بـ765 مليون شخص سافروا محليا داخل الصين خلال تلك العطلة، وضاعت على الفنادق موارد مهمة بسبب تداعيات منافسة شركات الحجز الإلكتروني للفنادق.
رغم الإقبال الكبير على الحجز، إلا أن الوحدات الفندقية لم تعد تجني أرباحا مثل السابق، وجزء مهم من هذه الأرباح يوجه إلى جيوب شركات الحجز الصينية التي تسيطر على هذا القطاع حول العالم.
سبق لصحيفة “نيويورك تايمز” أن نشرت تقريرا مفصلا جاء فيه أن الخبراء لا يتوقعون أبدا أن ترتفع أسعار الفنادق بسبب سفر السياح بميزانيات محدودة، ووصفت الصحيفة أن عمليات بناء الفنادق وتوسعتها في الظرفية الحالية ليس أمرا عمليا في ظل تغول التطبيقات التي تسيطر على عمليات الحجز حول العالم، وبروز خيار حجز الشقق.
سوف يكون من الصادم أن تعلموا مثلا أن شركة صينية للحجز، هيمنت على 9684 فندقا، في أكثر من 1290 مدينة! ولكم أن تتصوروا أرباح هذه الشركة التي حققت زيادة قدرها 158 مدينة مقارنة مع أدائها في نفس الوقت من السنة الماضية. ورغم ذلك فإن التقرير خلص إلى أن صناعة الفنادق في الصين تحتضر حرفيا، خصوصا وأنها تأثرت كثيرا بالحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، والتي اندلعت منذ سنة 2018.
علينا في المغرب أن نستحضر هذه العوامل في غمرة الإعداد لدورة كأس العالم 2030. إذ أن المؤشرات كلها تؤكد أن المستقبل للتطبيقات الذكية. وإذا كانت دول كبرى مثل الولايات المتحدة، التي تُسجل فيها ملايين عمليات الحجز الفندقي شهريا، تشتكي من تراجع عائدات الفنادق وتدني خدماتها رغم ارتفاع الإقبال، فكيف سيكون الوضع عندنا في المغرب في ظل عزوف السياح المغاربة، ومشاكل السياحة عموما.