تعيش العديد من المدن المغربية على وقع حملات مكثفة لتحرير الملك العام من الباعة المتجولين، وهي الحملات التي أثارت جدلًا واسعًا بين مؤيد يرى فيها خطوة ضرورية لاستعادة النظام العام، ومعارض يعتبرها إجراءً قاسيًا يهدد أرزاق الفئات الهشة، حيث، وكما هو الحال مع كل قضية شائكة، انقسم الرأي العام بين فريقين، أحدهما يطالب بإيجاد بدائل تضمن للمتضررين استمرار مصادر رزقهم، والآخر يدعو إلى فرض النظام وعدم التساهل مع ما يعتبرونه احتلالًا غير مشروع للفضاءات العامة.
وعبّر العديد من الباعة المتجولين والمتعاطفين معهم عن استيائهم من هذه الحملات، معتبرين أنها لا تأخذ بعين الاعتبار الأوضاع الاجتماعية لهؤلاء الذين لم يجدوا بديلاً آخر سوى العمل في الشارع، حيث علّق أحد هؤلاء الباعة قائلًا: “يجب تقديم حلول عملية تعتمد على مقاربة اجتماعية، وليس فقط اللجوء إلى الحلول الأمنية التي ستؤدي بلا شك إلى تفاقم المشاكل الاجتماعية، وربما تزيد من حالات التشرد والانحراف”.
في المقابل، يرى مواطنون آخرون وأصحاب المحلات التجارية أن تحرير الملك العمومي أمر ضروري لوضع حد لحالة الفوضى التي تتسبب فيها ظاهرة الباعة المتجولين، حيث عبّر أحد هؤلاء عن موقفه بلهجة غاضبة: “هؤلاء الباعة تحولوا إلى تجار دون التزامات قانونية، لا ضرائب، لا كراء، ومع ذلك يحتلون الأرصفة والشوارع، يعيقون حركة المرور، ويتركون وراءهم الأزبال والضجيج، بل وأحيانًا يتسببون في مشاحنات تصل إلى الاعتداء على مسؤولي السلطة المحلية، يجب القطع مع هذا التسيب”.
وبين هذين الموقفين المتناقضين، يُطرح البعض أسئلة قانونية حول مدى شرعية مصادرة السلطات لسلع الباعة المتجولين، حيث تساءل أحد المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي: “هل يحق للقائد وأفراد القوات المساعدة مصادرة سلع هؤلاء الباعة؟”، في تساؤل يعكس حالة الغموض القانوني التي تحيط بهذا الملف، وضرورة توضيح الإجراءات القانونية المعتمدة في مثل هذه التدخلات.
وفي مدينة مكناس، تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع منشور لإحدى الصفحات المحلية يدعو إلى تحرير ساحة الهديم والمناطق المحيطة بها من مظاهر الفوضى بعد شهر رمضان، خصوصًا مع اقتراب تنظيم معرض دولي يستدعي تقديم صورة منظمة عن المدينة، حيث جاء في المنشور: “من غير المعقول أن يتم تجهيز سوق خاص بالباعة المتجولين، ومع ذلك يستمر احتلال الشوارع، على رئيس الجماعة الوفاء بوعده وتحرير هذه المساحات استعدادًا للمشاريع التنموية القادمة”.
وفي محاولة منها لإيجاد حلول وسط، قامت بعض الجماعات المحلية بتوفير أماكن بديلة لاستقبال الباعة المتجولين، كما حدث مؤخرًا في جماعة عين مديونة بإقليم تاونات، حيث تدخلت السلطات المحلية لتنظيم حملة تحرير الأرصفة والشوارع، داعية الباعة إلى الانتقال إلى فضاء تم تجهيزه خصيصًا لهم، في خطوة لاقت إشادة من بعض المواطنين الذين اعتبروها نموذجًا للحل المتوازن بين فرض النظام وضمان حقوق الباعة في الاستمرار في نشاطهم التجاري.
وتُطرح العديد من الأسئلة حول إمكانية الوصول إلى حل جذري لهذه الإشكالية دون المساس بحقوق أي طرف، حيث يظل الجواب رهن قدرة المسؤولين على تبني مقاربة شاملة تراعي البعد الاجتماعي والاقتصادي، بدل الاقتصار على الحملات الموسمية التي لا تلبث أن تخمد حتى تعود الظاهرة إلى التفاقم من جديد.