أثار النقاش حول مشروع قانون المسطرة الجنائية في البرلمان جدلاً واسعًا بشأن حق النيابة العامة في التواصل مع الرأي العام حول القضايا والإجراءات المتخذة بحق بعض المشتبه فيهم أو المتهمين.
ففي الوقت الذي يرى فيه البعض أن هذا الحق يعزز الشفافية ويحد من انتشار الأخبار الزائفة، يعتبره آخرون شرعنةً للتشهير وإمكانية التأثير على العدالة.
في اجتماع لجنة العدل والتشريع، اليوم الأربعاء، عبر نواب برلمانيون عن مخاوفهم من أن السماح للنيابة العامة بالكشف عن تفاصيل بعض القضايا قد يؤثر على الرأي العام، مما قد يشكل ضغطًا غير مباشر على القضاة خلال إصدار الأحكام.
كما طالب بعضهم بمنح دفاع المتهمين الحق نفسه في التواصل مع الرأي العام لضمان التوازن، مشيرين إلى أن عرض النيابة العامة لروايتها قد يخلق انطباعًا مسبقًا قبل الفصل القضائي في القضايا.
وانتقد النائب عبد الصمد حيكر، عن المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، ما وصفه بشرعنة التشهير بالمشتبه فيهم، مشيرًا إلى أن القضاة، رغم حرصهم على النزاهة، يتأثرون بما يجري في المجتمع.
ودعا إلى ضرورة احترام سرية البحث والتحقيق، إلا في الحالات الاستثنائية التي تتطلب التوضيح، مثل انتشار أخبار مغلوطة حول القضايا المطروحة.
كما شدد على أهمية حماية قرينة البراءة، من خلال منع نشر الأسماء والصور قبل صدور حكم قضائي نهائي، تفاديًا لأي انعكاسات سلبية على حياة المشتبه فيهم.
وفي السياق نفسه، عبرت النائبة لبنى صغيري، عن فريق التقدم والاشتراكية، عن رفضها لنشر صور وأسماء المتهمين إلا داخل مراكز الشرطة المعنية بالتحقيق، مؤكدة على أن التشهير قد يخلق ضررًا بالغًا، حتى في الحالات التي يثبت فيها لاحقًا براءة المتهمين.
من جهته، أبدى نور الدين مضيان، البرلماني عن الفريق الاستقلالي، تحفظه على التطبيق العملي لمبدأ سرية البحث والتحقيق، موضحًا أن التسريبات الإعلامية أصبحت واقعًا يصعب التحكم فيه، مما يستدعي تقنين التواصل الرسمي بدلًا من منعه تمامًا.
كما اعتبر أن هناك حاجة للتمييز بين نوعية الجرائم؛ فبعض القضايا مثل الإرهاب والاعتداءات الجنسية تستوجب شفافية أكبر بحكم تأثيرها على الأمن العام، بينما يجب الحذر في حالات أخرى، خاصة عندما تكون هناك شكوك حول وجود تهم ملفقة أو استغلال سياسي لبعض القضايا.
أما سعيد بعزيز، عضو الفريق الاشتراكي ورئيس لجنة العدل والتشريع، فقد تساءل عن التناقض بين السماح للنيابة العامة بإصدار البلاغات ومنع جهات أخرى، مثل المديرية العامة للأمن الوطني، من التصريح حول قضايا مماثلة.
كما أشار إلى ظاهرة تسريب المحاضر والتقارير القضائية على مواقع التواصل الاجتماعي، متسائلًا عن مدى جدية الدولة في مواجهة هذه الظاهرة التي قد تعرقل سير العدالة.
هذا النقاش يعكس تباينًا واضحًا في وجهات النظر بين مختلف التيارات السياسية، حيث يتجاذب البرلمان خيوط التوازن بين احترام سرية التحقيق وحماية حقوق المشتبه فيهم، وبين حق الرأي العام في الوصول إلى المعلومة.
فبينما يرى البعض أن قيود السرية ضرورية لضمان نزاهة المحاكمة، يحذر آخرون من أن غياب المعلومة الرسمية قد يفسح المجال أمام الشائعات والمغالطات التي تضر بالصورة العامة لمؤسسات العدالة.
ومع استمرار النقاش حول هذا الملف الحساس، يبدو أن إيجاد صيغة توافقيّة تضمن الشفافية دون الإضرار بحقوق الأفراد سيكون التحدي الأكبر للمشرّعين في المرحلة المقبلة.