بعدما فتحت الثلوج التي حاصرت عددا من دواوير الجنوب الشرقي نهاية الأسبوع الماضي الباب لنقاش المعاناة الموسمية التي تعيشها ساكنة هذه المناطق، انتقد حقوقيون واقع “التهميش الذي تغرق فيه هذه الأقاليم في غياب تام للفاعل الترابي ولمخططات تنموية حقيقية تنهي عقود الإقصاء”.
وتسببت الثلوج التي تساقطت طيلة اليومين الماضيين في قطع عدد من المسالك الطرقية المؤدية إلى الدواوير، خاصة في الطريق الرابط بين إقليمي زاكورة (جماعة النقوب) وتنغير (جماعة اكنيون)، وتعميق معاناة سكان أعالي الجبال.
وتُذكِّر هذه المشاهد التي تتكرر عند كل موسم شتاء بتوجيه مساعدات إلى ساكنة هذه الجبال والدواوير والذي تنتقده معظم الفعاليات الحقوقية بالمنطقة، معتبرةً أن “هذه الصيغة تعمق الأزمة أكثر من أنها تقلص معاناة ساكنة المناطق المهمة”.
حمو زاراح، ناشط حقوقي بالجنوب الشرقي، قال إنه “في غالب الأحيان تتكلف جمعيات المجتمع المدني بتوزيع المساعدات على المتضررين من انخفاض درجات الحرارة والتحديات التي يطرحها موسم الثلوج في غياب شبه تام للمصالح العمومية”، مُحذِّرا من “استثمار بعض هذه الجمعيات لمعاناة الساكنة لأغراض سياسية وانتخابوية ضيقة”.
وأوضح الناشط المدني، في حديثه لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن “تدخل الدولة في هذه الظروف يقتصر على إنقاذ ساكنة الدواوير في الحالات الخطيرة فقط”، مشيرا إلى أن “معظم الجماعات الترابية بالمناطق المتضررة من الثلوج والأحوال المناخية الصعبة هي جماعات مفلسة وغير قادرة على توفير الخدمات الأساسية للمواطنين”.
وزاد زاراح أن “جماعات الجنوب الشرقي التي ينتظر منها المواطنون إقرار التنمية تدبر الزمن السياسي بدون برامج أو سياسات تنموية حقيقية”، مشيرا إلى أنه “باستثناء مشاريع قليلة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية وبعض البرامج الوطنية يظل التدخل الترابي عبر الجماعات لتنمية مناطق الهامش غير فعال بمجال عمل محدود جداً”.
وفي تعليقه على ما اعتبره غيابا للمصالح العمومية في رفع واقع التهميش الذي تغرق فيه مناطق الجنوب الشرقي، أشار الفاعل المدني إلى “اقتصار وجود المسؤولين داخل الإدارات العمومية فقط دون اعتماد سياسة القرب من المواطنين”.
وبخصوص المساعدات التي توزع على ساكنة الجبال والدواوير المتضررة من انخفاض درجات الحرارة، أورد الناشط الجمعوي أنه “من المفترض أن تكون مثل هذه الإجراءات بمثابة تدبير مرحلي للأزمة”.
وفي نفس السياق، سجل المتحدث ذاته أن “الاعتياد على هذه العناية الموسمية يزيد من تعميق الأزمة ولا يعالجها بشكل نهائي”، رافضا “الفكرة التي يحاول البعض أن يروجها حول فعالية هذه المساعدات وأنها تغلب على الفقر والهشاشة”.
وشدد المصدر ذاته على أن “سكان الجبال ودواوير الجنوب الشرقي في حاجة إلى التنمية والعدالة المجالية الحقيقية وليس التعامل بمنطق الإسكات بمساعدات محدودة الأثر”، مُبيِّناً أن “ليس هناك أي إقليم بجهة درعة تافيلالت ينجو من مخلفات التفاوتات التنموية”.
وعلى مستوى برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، اعتبر المتحدث ذاته أن “أغلب هذه المشاريع لا ترقى إلى مستوى رفع مستوى التنمية في المنطقة وخلق فرص الشغل”، مستدركا أن “الأخطر من ذلك هو أن عددا من هذه المشاريع تغلق أبوابها أشهرا بعد انطلاقها”.