كشفت تقارير إعلامية أن عائلة الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد قد استطاعت بناء شبكة معقدة من الثروات الهائلة، تضم أصولًا وعقارات منتشرة في مختلف دول العالم، تم جمعها واستثمارها خلال عقود من الحكم. هذه الثروات، التي أُخفيت عن أعين الشعب السوري، تعتمد على نظام اقتصادي قائم على الفساد والمحسوبية، وازدادت تعقيداتها بعد اندلاع الحرب الأهلية السورية.
صورة حاكم متواضع
على عكس صدام حسين أو معمر القذافي، خلق بشار الأسد بعناية صورة حاكم متواضع. وبجدية كبيرة لدرجة أن العديد من السوريين اعتقدوا بصدق أنهم يقودهم “زعيم شعب” حقيقي يعيش بنفس الطريقة التي يعيش بها أي سوري متوسط الدخل، حسب ما أورده تقرير لـ “ريسبوبليكا رو” الروسي.
وأشار التقرير إلى أن نظام الأسد شرع في بناء شبكة مالية مترابطة، منذ تسلم حافظ الأسد السلطة في سوريا عام 1971،وشمل ذلك السيطرة على القطاعات الاقتصادية الرئيسية، مثل التبغ، والبناء، والنقل، والاتصالات. وذكر أن محمد مخلوف، خال بشار الأسد، كان أحد أبرز الشخصيات التي أدارت هذه الإمبراطورية الاقتصادية، والتي ورثها لاحقًا ابنه رامي مخلوف.
وسعى بشار الأسد خلال سنوات حكمه إلى تقديم صورة متواضعة عن حياته الشخصية، وكان يُظهر نفسه كقائد قريب من الشعب، يعيش حياة بسيطة مع أسرته. وقال عنه رجل الأعمال السوري أمين مَحَيّني: “كان يرتدي الجينز والتيشيرتات، وكان أولاده يدرسون في مدارس محلية”.
لكن هذه الصورة انهارت بعد سقوط النظام، عندما اكتشف السوريون القصور الرئاسية. تضمنت هذه القصور مرائب مليئة بسيارات فاخرة من طراز “فيراري” و”لامبورغيني”، وأثاثًا فخمًا يعكس مستوى من الرفاهية لم يكن يتخيله المواطن السوري العادي.
الأسد والحرب والأنشطة المشبوهة
وفقًا لما نشره موقع التحقيقات “ميدوسا”، استغل النظام السوري الحرب الأهلية لتوسيع إمبراطوريته الاقتصادية عبر أنشطة غير مشروعة. وقد تورطت شخصيات رئيسية في النظام، مثل ماهر الأسد، شقيق بشار، في تهريب مخدر “الكبتاغون”، الذي يدر أرباحًا سنوية تصل إلى 2.4 مليار دولار. ليتم توجيه جزء كبير من هذه العائدات لدعم آلة الحرب وبناء أصول جديدة للعائلة.
من جهة أخرى، استفاد النظام من الدعم الروسي، حيث ساعدت موسكو في توفير غطاء سياسي وعسكري، مما سمح للنظام بتحويل بعض أصوله إلى روسيا. التقرير يشير إلى أن روسيا كانت ملاذًا آمنًا للأموال المهربة، حيث تمتلك عائلة الأسد عقارات فاخرة في “موسكو سيتي” تقدر قيمتها بنحو 40 مليون دولار، حسب ما ذكره الموقع الروسي “ميدوسا”.
وتشمل أصول عائلة الأسد عقارات فاخرة في دبي، وموسكو، وفيينا، حيث تقدر قيمتها بمئات الملايين من الدولارات. وفي دبي وحدها، تمتلك العائلة عقارات في مناطق راقية مثل نخلة جميرا ووسط المدينة، فيما تستثمر في فنادق بوتيك في فيينا. بيد أن هذه الأصول لم تكن وليدة السنوات الأخيرة فقط، بل بدأت منذ عهد حافظ الأسد. واعتمد التوسع في هذه الاستثمارات على تحويل الأموال عبر قنوات معقدة وبأسماء شركات وهمية أو أقارب للعائلة، مما جعل تتبعها واستردادها أمرًا بالغ الصعوبة.
القطيعة بين الأسد ورامي مخلوف
بحلول عام 2020، كان رامي مخلوف، الذي يُعتبر الذراع الاقتصادية للأسد، يمتلك شركات اتصالات، وأصولًا مصرفية، وأسواقًا حرة، تقدر قيمتها بأكثر من عشرة مليارات دولار. لكن الخلاف بينه وبين بشار الأسد، والذي برز علنًا في عام 2020، أدى إلى مصادرة العديد من أصوله ووضعه قيد الإقامة الجبرية.
وتركز الخلاف حول أموال وأصول ضخمة كان مخلوف يديرها، حيث بدأ هذا النزاع بظهور مخلوف في سلسلة فيديوهات ينتقد فيها النظام، مطالبًا بحقه في الاحتفاظ بثرواته. وتقول التقارير إن بشار الأسد استخدم هذه الأصول التي صادرها من مخلوف لسد عجز في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى استخدامها لدعم أنشطة عسكرية ومشروعات تعزز سيطرته على البلاد.
ومباشرة بعد سقوط النظام، بدأت جهود دولية لاسترداد الأصول المهربة، لكن العملية واجهت العديد من العقبات، حيث تشير التقارير إلى أن معظم الثروات مخبأة في دول يصعب الوصول إلى أصولها، مثل روسيا ودبي. على الرغم من ذلك، نجحت بعض الدول الأوروبية في تجميد أصول تعود لعائلة الأسد، مثل ممتلكات بقيمة 90 مليون يورو في فرنسا تعود إلى رفعت الأسد، عم بشار الأسد.