رصدت ورقة تحليلية، من إنجاز مركز الحياة لتنمية المجتمع المدني ومرصد العمل الحكومي، عددا من الصعوبات التي تواجه الجالية المغربية المقيمة بالخارج، ومنها ضعف المساهمة الاستثمارية والمشاركة السياسية، إضافة إلى تعرضها للبيروقراطية وممارسات الفساد، مقدمة في السياق ذاته عددا من التوصيات.
وأفادت الورقة، التي اطلعت عليها جريدة “مدار21″، أن استثمارات الجالية ما تزال “تعاني من إشكاليات عميقة تحول دون تحقيق مساهمة نوعية ومؤثرة في الحركية الاستثمارية الوطنية، حيث لا تتجاوز نسبة التحويلات المخصصة للاستثمار 10 في المئة، هذه الإشكاليات لا ترتبط بغياب الإمكانيات، بل بنقص في الرؤية والآليات المناسبة التي تعيق استثمار هذا الخزان الكبير من الطاقات الاقتصادية”.
وأوصت الورقة التحليلية بتعزيز المساهمة الاستثمارية للجالية المغربية، عبر وضع رؤية استراتيجية شاملة باعتماد خطة وطنية واضحة لإدماج مغاربة العالم في النسيج الاستثماري الوطني، من خلال تحديد القطاعات ذات الأولوية مثل التكنولوجيا، الطاقة المتجددة، الصناعة التحويلية، والفلاحة.
وفي السياق ذاته، دعت الورقة إلى إطلاق بنك مشاريع مخصص، من خلال توفير منصة رقمية شاملة تضم فرصًا استثمارية محدثة ومهيكلة حسب المناطق والقطاعات الاقتصادية، مع تقديم معطيات دقيقة حول الجدوى الاقتصادية، إضافة إلى تطوير آليات تمويل مبتكرة عبر إنشاء صناديق تمويلية جديدة موجهة لمشاريع الجالية، تقدم قروضا ميسرة وضمانات تحفيزية للمستثمرين، مع إعادة هيكلة صندوق “MAD invest” ليكون أكثر فعالية وانتشارا، وكذا تحسين الرقمنة والتواصل وإنشاء مكاتب استثمار بالخارج.
ومن جهة أخرى، تعاني المشاركة السياسية لمغاربة العالم من عدة اختلالات تمتد إلى تمثيليتهم في المؤسسات الوطنية وتأثيرهم في السياسات العمومية، ما يكرس ضعف ارتباطهم السياسي بالوطن، مفيدة أن أثر مجلس الجالية المغربية بالخارج “يظل محدودا”، كما أنه يعاني غياب الاستمرارية والفاعلية.
وفي هذا الصدد، أكدت الورقة على ضرورة تقوية التمثيلية السياسية لمغاربة العالم، من خلال إشراك الجالية في مؤسسات الحكامة الوطنية، وتفعيل حق التصويت والترشح بتعزيز الآليات القانونية التي تضمن مشاركة وأبرزت الورقة أن الجالية المغربية تعاني “صعوبات كبيرة مع البيروقراطية الإدارية عند قضاء مصالحها داخل أرض الوطن، وهي إشكالية تتسم بتعقيد المساطر الإدارية، وتعدد الوثائق المطلوبة، وتكرار الإجراءات بين مختلف الإدارات، فضلا عن غياب التنسيق بينها”.
وأفادت أن الجالية تتعرض “بشكل خاص لممارسات الفساد مثل الرشوة واستغلال النفوذ، نتيجة لغياب الوضوح في الإجراءات وضعف الرقابة، حيث يعاني أفراد الجالية أحيانا من التمييز غير المعلن، حيث ينظر إليهم على أنهم فئة قادرة على دفع تكاليف إضافية غير قانونية لإنجاز خدماتهم بشكل أسرع، وهو ما يضعف ثقة الجالية في المؤسسات، ويزيد من إحساسهم بعدم الإنصاف مقارنة بباقي المواطنين”.
وشددت على ضرورة إصلاح البيروقراطية الإدارية ومحاربة الفساد، وذلك عبر تفعيل الشباك الوحيد للجالية يوفر جميع الخدمات الإدارية الموجهة للجالية، ورقمنة جميع المساطر الإدارية لجعلها متاحة عن بعد، مع تقليل الاعتماد على الوثائق الورقية، وتعزيز آليات الشفافية بوضع آليات صارمة لمحاربة الفساد الإداري مثل إطلاق منصات للإبلاغ عن الممارسات غير القانونية وضمان حماية المبلغين.
وأشارت الورقة إلى دعم الكفاءات المغربية بالخارج، بإطلاق منصة للتواصل معها، تتيح ربط الكفاءات بالخارج مع المؤسسات المغربية لتبادل الخبرات والاستفادة من قدراتهم، وإطلاق برامج جذب الكفاءات، وتوفير حوافز ضريبية وتشجيع للاستثمارات المبتكرة التي تعود بها الكفاءات المغربية إلى الوطن، مع تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية بإشراك الكفاءات المغربية في الخارج في شراكات استراتيجية مع المنظمات التي يعملون بها لدعم الاقتصاد الوطني.
وأبرزت الورقة ضرورة إشراك الجالية في الدبلوماسية الموازية من تدريبها على الدفاع عن قضية الصحراء المغربية عبر توفير الأدلة القانونية والتاريخية اللازمة، ودعم الجمعيات المغربية بالخارج بتعزيز تمويلها لتوحيد جهود الدفاع عن القضايا الوطنية وتعزيز الهوية المغربية.
وأكدت الورقة ضرورة اعتماد الحكومة مقاربة تشاركية شاملة مع الجالية المغربية المقيمة بالخارج لضمان مشاركة فعالة في تنزيل مختلف الآليات والمؤسسات الجديدة التي دعا الملك محمد السادس إلى إخراجها إلى حيز الوجود.الجالية في الانتخابات الوطنية.
وشددت الورقة على أهمية تحسين استقبال الجالية المغربية من خلال إنشاء أسطول نقل بحري وطني عبر إطلاق شركة وطنية تتكفل بخفض تكاليف السفر وتوفير عروض تنافسية، مع مراجعة سياسات السفر الجوي وتقديم أسعار تنافسية للجالية المغربية، وكذا تبسيط الإجراءات الجمركية باعتماد نظام رقمي متكامل لتسريع وتبسيط المساطر الجمركية، إلى جانب تحسين البنية التحتية في الموانئ والمطارات بزيادة طاقتها الاستيعابية.
كما أوصت الورقة بتطوير الخدمات القنصلية بزيادة عددها، وكذا إنشاء منصة رقمية موحدة تتيح الحصول على الوثائق الرسمية والخدمات القنصلية عن بعد، مع تأهيل الموارد البشرية في القنصليات للتعامل مع مختلف احتياجات الجالية بفعالية وسرعة، إضافة إلى ضرورة إطلاق وحدات متنقلة في المناطق البعيدة لتقديم خدمات مباشرة لفئات الجالية التي تعاني من صعوبة الوصول إلى المراكز القنصلية.
وفي الشق المتعلق بتعزيز التأطير الثقافي والرياضي، دعت الورقة إلى إطلاق برامج ثقافية مستدامة وتنظيم دورات تعليمية لتعليم اللغة العربية والدارجة المغربية، مع توفير مواد تربوية إلكترونية تُدرس عن بُعد، وزيادة عدد المراكز الثقافية المغربية، وإنشاء أندية رياضية موجهة للجالية في دول الإقامة لاستقطاب المواهب الشابة، مع تنظيم مسابقات رياضية وطنية للجالية، لافتة إلى “تعزيز الدبلوماسية الثقافية بإطلاق مبادرات لتعزيز الحضور الثقافي المغربي في المحافل الدولية وتوطيد الهوية الوطنية في صفوف الجالية”.