تعج مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب بعدد من منشورات الصور ومقاطع الفيديو التي التقطتها عدسات هواتف المواطنين أو كاميرات المراقبة الخاصة بهم، توثق أفعالا جرمية مثل الاعتداء بالسلاح الأبيض أو السرقة وغيرها. هذه المنشورات تسهل على المصالح الأمنية التعرف على الجناة وتوقيفهم بسرعة قياسية. غير أن هذا الفعل يثير، حسب مهتمين، إشكالات عملية تتداخل فيها مجموعة من النصوص القانونية المتعلقة بعدم التبليغ عن جريمة من جهة، وبجريمة التشهير من جهة أخرى.
ويرى مهتمون في هذا الشأن أن توثيق الأفعال الجرمية من طرف المواطنين يأتي من باب التبليغ عن الجرائم، الذي يعاقب القانون على عدم القيام به، ويندرج في إطار المساهمة المجتمعية والتعاون مع السلطات لمحاربة الظواهر الإجرامية. ومع ذلك، فإن نشر هذه الوثائق للعموم يطرح إشكالات كبيرة، إذ إن هذا الفعل قد ينطوي على جريمة التشهير التي قد تجر مرتكبها إلى القضاء. لذلك، يُنصح المواطنون المغاربة بتجنب السقوط في المحظور واتباع المساطر القانونية المعمول بها لضمان شمولهم بحماية القانون.
إيجابيات وسلبيات
الحسين أولودي، باحث في القضايا الأمنية، قال إن “توثيق الجرائم من طرف المواطنين، سواء عبر الهواتف الذكية أو كاميرات المراقبة، ونشر المقاطع الخاصة بها على مواقع التواصل الاجتماعي، يندرج في إطار التبليغ عن الجرائم، وهو فعل إيجابي وسلبي في الوقت ذاته. وفي اعتقادي، فإن سلبياته أكثر من إيجابياته، نظرا للتداعيات التي يمكن أن تنشأ عنه فيما بعد”.
وأوضح الباحث نفسه، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “القانون يمنع تصوير الأشخاص، مهما كانوا ومهما ارتكبوا من أفعال إجرامية، في الأماكن العامة، ونشر صورهم على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يندرج ذلك ضمن نطاق التشهير الذي يجرمه القانون. ويحق لهؤلاء الأشخاص، حتى لو ثبتت إدانتهم بالجريمة موضوع التصوير، أن يتابعوا من قام بالتشهير بهم أمام القضاء”.
وأكد المتحدث على عدم توثيق الجرائم بالصوت والصورة ونشرها عبر الوسائط الرقمية، “نظرا لما ينطوي عليه الأمر من إشكالات قانونية وأمنية واجتماعية وإنسانية، وقد يجر صاحبه إلى المساءلة. فهناك وسائل أخرى يمكن اللجوء إليها لمحاربة الجريمة دون الوقوع في المحظور، مثل التبليغ الفوري أو التدخل لمساعدة الشخص الذي يكون في خطر، في حدود ما يسمح به القانون، إذ إن الامتناع عن تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر يعد فعلا معاقبا عليه، ويمكن أن يُطبق هذا الأمر على الشخص الذي اكتفى بتوثيق الجريمة دون التدخل”.
وبين الباحث في القضايا الأمنية أن “القانون صارم في هذا الشأن، سواء تعلق الأمر بعدم التبليغ أو التشهير أو الامتناع عن تقديم المساعدة في حالة خطر. وعلى المواطن أن يكون واعيا بكل هذه الأمور ويتجنب كل ما قد يجره إلى القضاء نتيجة توثيقه أو نشره لفعل جرمي، حتى لو كان بحسن نية”.
وأضاف موضحا: “يفضل اتباع المسطرة القانونية في هذا الصدد، وتقديم الصور والدلائل المرئية إلى المصالح الأمنية لمساعدتها في الوصول إلى الجناة دون الحاجة إلى نشرها للعامة. وفي هذه الحالة، يكون الشخص محميا بموجب القانون”. كما أشار إلى أن “بعض الأشخاص ينشرون مقاطع فيديو لجرائم رصدتها كاميرات المراقبة الخاصة بهم على مواقع التواصل، في حين إن القانون يمنع ذلك بشكل قاطع، ولا يُسمح بتقديم هذه المقاطع إلا للضابطة القضائية بناء على إذن من النيابة العامة”.
وخلص إلى أن “المواطن يمكنه المساهمة في محاربة الظواهر السلبية في المجتمع، مثل الجريمة، من خلال رفع مستوى وعيه بما له وما عليه، مع توخي الحفاظ على خصوصية الأفراد مهما كانت ظروفهم”. وأضاف أن “هناك العديد من مقاطع الفيديو التي نشرت على أساس توثيق جريمة مفترضة، ولكن التحقيقات أظهرت خلاف ذلك، مما يعرض ناشريها للمساءلة القانونية”.
إشكاليات عملية
الحسين بكار السباعي، محام مقبول لدى محكمة النقض باحث في قضايا حقوق الإنسان، قال إن “توثيق الجرائم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، رغم ما يوفره من أداة فعالة تساعد السلطات الأمنية في تحديد هوية الفاعلين وتقديمهم إلى العدالة، يثير من جهة أخرى إشكالات عملية، بعضها قانوني يتعلق بصحة ما يتم تداوله من صور وتسجيلات وما إذا كانت مفبركة أو تتعلق بأفعال جرمية سبق التحقيق فيها وصدرت في حق مرتكبيها أحكام قضائية”.
وأضاف السباعي أن هذا الموضوع يثير كذلك “إشكالات تتعلق بحق المتهم في الصورة وعدم التشهير، وغيرها من الإشكالات المرتبطة بالصور المتداولة لأفعال جرمية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي تتطلب من الجهات الأمنية التحقق من صحتها قبل البدء في البحث والتقصي بشأنها”. ومع ذلك، أشار إلى أن “هذا النوع من التوثيق يعزز قدرة الشرطة على اتخاذ إجراءات سريعة وفعالة تسهم في محاربة الجريمة”.
وأشار إلى أن “سؤال حق المواطن في التصوير يبقى قائما. فتوثيق الجريمة من قبل الشهود يعتبر عملا إيجابيا، ويمكن اعتباره بمثابة التبليغ عن الجريمة المنصوص عليه في القانون الجنائي المغربي، الذي يعاقب على عدم التبليغ. ومع ذلك، يجب على المواطن الحذر من المقتضيات القانونية المتعلقة بالخصوصية والحق في الصورة وعدم التشهير، حيث قد تكون هناك قيود على تصوير الأشخاص دون إذنهم”.
وتابع قائلا: “المتفق عليه، تماشيا مع العمل القضائي الجنائي اليوم، هو أن فعل تصوير الجريمة يندرج في باب التبليغ عن الجرائم، خاصة إذا كان الهدف منه مساعدة جهات التحقيق في القبض على الجناة. وهذا يبقى أمرا سليما قانونيا يعفي من المساءلة القضائية عن عدم التبليغ، بل يفرض القانون على المبلغ أو الشاهد على فعل جرمي الإبلاغ”.
وشدد المصرح لهسبريس على أن “عدم التبليغ عن الجرائم يعتبر فعلا معاقبا عليه، مما يعكس أهمية التعاون بين المواطنين والسلطات الأمنية. ويشجع القانون على الإبلاغ عن الجرائم، ويعتبر أن أي دليل يساعد في التحقيقات ذو قيمة إثباتية. وبالتالي، فإن توثيق الجرائم يمكن أن يكون أداة قوية في يد المجتمع لمساعدة السلطات في الحفاظ على الأمن والنظام. ويجب على المواطنين أن يكونوا واعين بحقوقهم وواجباتهم في هذا السياق”.
وأشار المحامي عينه إلى أن “المشرع المغربي منح امتيازا للمواطن في إيقاف أي شخص ارتكب جريمة تصنف ضمن الجنح أو الجنايات وتقديمه إلى أقرب مركز للشرطة، ولكن ليس في حالة ارتكاب المخالفات. فقد نصت المادة 76 من القانون الجنائي على أنه يحق لأي شخص في حالة التلبس بجناية أو جنحة معاقب عليها أن يضبط الفاعل ويقدمه إلى أقرب ضابط للشرطة القضائية”.
وأكد أن “المشرع منح أيضا للمواطن حق تثبيت حالة التلبس على أي مرتكب للجريمة التي تندرج ضمن الجنايات أو الجنح، ويستند ضابط الشرطة القضائية إلى هذا التوثيق باعتباره حالة تلبس، وذلك وفقا للفقرة الثانية من المادة 56 من قانون المسطرة الجنائية، في حالة ما إذا كان الفاعل ما زال مطاردا بصياح الجمهور إثر ارتكاب الجريمة”.