سوق التوابل في المغرب يشكل ركيزة أساسية من الثقافة الغذائية المغربية، حيث يعتمد المواطنون على هذه المنتجات لإعداد أطباقهم التقليدية. بفضل التنوع الكبير في التوابل المستخدمة، أصبحت الأسواق المغربية محط جذب داخلي وخارجي، وتحقق مبيعات بملايين الدراهم سنويًا. لكن هذه السوق النابضة بالحياة تشهد في السنوات الأخيرة تفشي ظاهرة الغش، حيث يلجأ بعض التجار إلى التلاعب بجودة المنتجات بهدف تحقيق مكاسب سريعة، متجاهلين التداعيات الخطيرة على صحة المستهلك.
أنواع الغش في التوابل: ممارسات غير مشروعة وخطيرة
الغش التجاري في التوابل يتخذ أشكالًا متعددة، حيث يُضاف نشارة الخشب أو الرمل لزيادة الوزن، وتُستخدم ألوان صناعية محظورة لتحسين المظهر، بينما يتم خلط التوابل الأصلية بأخرى رديئة الجودة. تُعد هذه الممارسات شائعة في المنتجات الأكثر استخدامًا مثل الكمون، الزنجبيل، الفلفل الأسود (الإبزار)، والكركم. دراسة أجراها المركز المغربي لحقوق المستهلك كشفت أن 30% من التوابل المتوفرة في الأسواق تحتوي على مواد مضافة مشبوهة وغير قانونية، مما يجعلها خطرًا صحيًا كبيرًا.
كما تشير تقارير متعددة إلى أن الغش في التوابل أصبح ظاهرة مقلقة في الأسواق المغربية. يشمل هذا الغش إضافة مواد غير غذائية لزيادة الوزن، أو استخدام ألوان صناعية محظورة لتحسين المظهر، أو خلط التوابل الأصلية بمواد رخيصة مثل نشارة الخشب أو الرمل.
في عام 2021، أفادت مصادر صحفية بأن السوق المغربية غارقة بأنواع من التوابل الفاسدة وغير الصالحة للاستهلاك الآدمي، تشكل خطرًا على صحة الإنسان على المدى المتوسط والبعيد. أبرز هذه التوابل المغشوشة تشمل الزنجبيل، الذي يُخلط بدقيق الحمص، والكمون، الذي يُخلط بحبات النافع، والإبزار، الذي يُخلط بمادة “إيلان”. كما تتوفر أسواق التوابل على أكياس بلاستيكية لمادة “الخرقوم المطحون”، وهو نتاج لأعواد “الخرقوم” مضاف إليها ملونات صناعية مجهولة المصدر.
تعتبر هذه الممارسات غير أخلاقية، لكنها تتعدى ذلك لتصبح خطيرة عندما تحتوي المواد المضافة على مركبات سامة أو مسرطنة. فالاستهلاك المتكرر لهذه التوابل قد يؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة، بدءًا من الحساسية والتسمم الغذائي وصولًا إلى أمراض مزمنة مثل الفشل الكلوي وأمراض الكبد.
التأثيرات الصحية للغش في التوابل
يتحمل النظام الصحي المغربي عبئًا إضافيًا بسبب ارتفاع حالات التسمم الغذائي والأمراض المرتبطة بالاستهلاك الطويل الأمد للمواد المغشوشة، تناول التوابل المغشوشة بشكل مستمر يؤدي إلى العديد من المشاكل الصحية. تبدأ التأثيرات بمشاكل في الجهاز الهضمي مثل التهابات المعدة والأمعاء، وقد تتطور إلى حالات تسمم غذائي حادة نتيجة احتواء التوابل على مواد كيميائية سامة. على المدى الطويل، يواجه المستهلكون خطر الإصابة بأمراض مزمنة مثل الفشل الكلوي وأمراض الكبد بسبب تراكم المعادن الثقيلة كالرصاص والزئبق. وزارة الصحة والحماية الاجتماعية سجلت في سنة 2023 أكثر من 1200 حالة تسمم غذائي مرتبطة بتناول مواد مغشوشة، كان للتوابل نصيب كبير منها.
تداعيات صحية واقتصادية
ظاهرة الغش لا تؤثر فقط على صحة المواطن، بل تُضعف الاقتصاد الوطني من خلال فقدان الثقة في المنتجات المحلية. المستهلك المغربي يضطر إلى اللجوء إلى المنتجات المستوردة، مما يرفع الفاتورة الغذائية للبلاد. من جهة أخرى، يعاني النظام الصحي من عبء إضافي بسبب ارتفاع عدد الحالات المرتبطة بالتسمم الغذائي. هذا الضغط يُكلف خزينة الدولة ملايين الدراهم سنويًا لعلاج الأمراض الناتجة عن استهلاك التوابل المغشوشة.
في عام 2019، قامت المصالح التابعة لوزارة الداخلية بمراقبة ما يُناهز 122 ألفًا من المتاجر الكبرى والمتوسطة، ومحلات الإنتاج والتخزين، ونقاط البيع بالجملة والتقسيط، بمختلف المدن والقرى والأسواق الأسبوعية. أسفرت عمليات المراقبة عن تحرير 2795 محضر مخالفة، همت كافة مراحل التسويق، وتمت إحالتها على المحاكم المختصة من أجل اتخاذ العقوبات اللازمة. كما تم سحب ما يفوق 470 طنًا من المواد والمنتجات الغذائية غير الصالحة للاستهلاك من دائرة التسويق.
جهود الحكومة والتحديات
رغم الجهود التي تبذلها الحكومة المغربية للحد من هذه الظاهرة، من خلال عمليات التفتيش وسحب المنتجات المغشوشة من الأسواق، إلا أن الغش التجاري لا يزال مستمرًا. خلال عام 2023، أطلقت السلطات أكثر من 2000 عملية مراقبة شملت أسواق الجملة والتجزئة، وأسفرت عن مصادرة 470 طنًا من المواد غير الصالحة للاستهلاك. هذه الجهود تبقى غير كافية بسبب نقص الإمكانيات وضعف البنية الرقابية في بعض المناطق النائية.
يتطلب التصدي لظاهرة الغش في التوابل تدخلًا حازمًا من الحكومة والجهات المعنية. يجب تعزيز الرقابة على الأسواق، وتطبيق قوانين صارمة لمعاقبة المتورطين في الغش. كما يجب توعية المستهلكين بضرورة التأكد من جودة المنتجات التي يشترونها، من خلال اختيار مصادر موثوقة أو اللجوء إلى بدائل أكثر أمانًا.
من جهة أخرى، ينبغي تعزيز دور المختبرات المحلية لتطوير تقنيات حديثة تكشف عن المواد المغشوشة بسرعة ودقة، مع دعم التعاون بين الجهات الصحية والاقتصادية لضمان سوق نظيف وآمن.
وفي الأخير فإن ظاهرة الغش في التوابل قضية تستدعي تدخلًا جماعيًا. على الحكومة تعزيز التشريعات وتطبيق عقوبات رادعة للمتورطين، مع دعم حملات التوعية للمستهلكين لاختيار المنتجات الموثوقة. كما أن دور المجتمع المدني ضروري في مراقبة الأسواق والتبليغ عن المخالفات. بدون تعاون جميع الأطراف، سيبقى سوق التوابل المغربي عرضة للغش، وسيظل المواطنون مهددين بـ”توابل الموت”.