الثلاثاء, يناير 14, 2025
Google search engine
الرئيسيةالشامل المغربيتنظيم البوليساريو بين تناقض الأيديولوجيات.. قراءة في التحولات الفكرية

تنظيم البوليساريو بين تناقض الأيديولوجيات.. قراءة في التحولات الفكرية



في ظل الأوضاع التي شهدها العالم بعد الحرب العالمية الثانية، وبروز الحرب الباردة، وانقسام العالم إلى معسكرين شرقي وغربي، معسكر شرقي تابع للاتحاد السوفياتي الداعم للإيديولوجية الشيوعية الماركسية والمدافع عن الحركات الثورية والانفصالية. ومعسكر غربي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية الداعم للرأسمالية الليبرالية الحرة.

وفي خضم هذه الصراعات الإيديولوجية، كان العالم العربي في سبعينيات القرن الماضي يعيش غليانا ناتجا عن كثرة الانقلابات، التي وقعت في مجموعة من الدول العربية على الأنظمة الملكية وتعويضها بالأنظمة الجمهورية كما وقع في ليبيا والعراق، متأثرة بالفكر الشيوعي التحرري ومتبعة النموذج الناصري بمصر، كانت الجزائر من الدول التابعة للمعسكر الشرقي بزعامة الاتحاد السوفياتي الاشتراكي ومن المدافعين عن الفكر الشيوعي التحرري. وقد ساهمت هذه الأوضاع الإقليمية والمحلية في إنضاج المشروع الصحراوي للبوليساريو الذي استلهم التجارب المسلحة لحركة التحرير وجيش التحرير والتجارب السياسية للحركات الوطنية من جيرانه.

وقد كان النموذج اليساري هو الغالب على الرؤية الفكرية للبوليساريو، لأن الحركة الشيوعية العالمية تدعم الحركات الانفصالية وتتبناها، وهذا ما دفع بمؤسسي جبهة البوليساريو إلى رفع رسائل إلى الدول التي تتبنى الفكر الشيوعي لتقديم الدعم لها، حيث وجهوا رسائل في سنة 1972 إلى كل من الزعيم الليبي معمر القذافي والعراقي صدام حسين والجزائري الهواري بومدين، وبعد الإعلان عن قيام جبهة البوليساريو في سنة 1976، تلقت الدعم الوافر من الجزائر، بإرسال البعثات الطلابية من الشباب الصحراوي بشكل مكتف وبمنح مغرية إلى الدول الشرقية ولفترات إقامة طويلة قد تمتد إلى أزيد من عشر سنوات في دول كوبا وألمانيا الشرقية والمجر ويوغوسلافيا والاتحاد السوفياتي، وقد أدت عودة هؤلاء الطلاب بثقافة مختلفة وتكوين اجتماعي مبني على أفكار اشتراكية ثورية علمانية غير الذي نشأ عليه المجتمع الصحراوي، مما أدى إلى انفصام خطير في البنية الاجتماعية والنفسية والثقافية لسكان الصحراء، الذين كانوا يتسمون بالبداوة والسكينة واتباع المذهب السني وآثار السلف الصالح.

وبعد السياق الجيوسياسي ونهاية الحرب الباردة وأفول الفكر الماركسي، شَجّع هذا التطور الشباب الصحراوي على تبني الإسلام الراديكالي. وإن هذا التحول في صفوف شباب جبهة البوليساريو ناتج عن وصول جيل جديد من المقاتلين المتشبّع بالأصولية، خلال الفترة التي قضوها في الجامعات الجزائرية، حيث وقع ذلك في نهاية الثمانينيات بعدما توجه مجموعة من الطلاب من المخيمات في تندوف إلى جامعات الجزائر، والتقوا هناك أعضاء الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي كانت لها اليد العليا في أقسام الجامعات خلال تلك الفترة، حيث تم تلقيح هؤلاء الشباب بمبادئ السلفية الجهادية وعادوا إلى ولاية تندوف مندفعين بالفكر الإسلامي الجهادي، وهذا التحول الإيديولوجي، نلمسه في تصرف محمد فاضل الذي ولد في مخيمات تندوف وأُرسل إلى روسيا لمواصلة تعليمه، لكن الإسلاميين الراديكاليين تواصلوا معه وأقنعوه بالذهاب إلى الشيشان والانضمام إلى المجاهدين هناك ضد الروس، حيث تم اعتقاله في كازا خستان وحكم عليه بالسجن أربع سنوات طرد بعدها إلى الجزائر ليعود إلى مخيمات ولاية تندوف.

وقد أعادت هجمات 11 شتنبر 2001، إحياء النشاط الجهادي في شمال إفريقيا، من خلال توفر سبب جديد لوجود الجماعات الإسلامية مثل الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية، ثم امتد التهديد إلى الجنوب، مما أتاح أفاقا جديدة للشباب الذين ينتقلون في مخيمات تندوف وكذلك للأعضاء السابقين أو النشطين في جبهة البوليساريو، وقد كان عام 2007 نقطة تحول في تطور الجهاد في شمال إفريقيا، حيث قررت الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية الاندماج في الحركة الجهادية العالمية لتصبح تحت مسمى القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. ولم يسلم تنظيم البوليساريو من هذا التحول، حيث تم إنشاء مجموعة سلفية صغيرة تسمى إمارة الصحراء، تشكلت من مقاتلين قادمين من معسكرات البوليساريو، وبذلك أصبح تنظيم البوليساريو واحدا من التجمعات الرئيسية للتجنيد من قبل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.

وقد ذكرت صحيفة “الخبر” اليومية الجزائرية في مقال نشر في يوليوز 2008 بعض مصادر الأمن المحلية التي اعتقدت أن عددا من الأفراد القادمين من الصحراء المغربية كانوا في معسكرات تدريب القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بالقرب من الحدود مع مالي، وفي غشت 2008، كشفت صحيفة مغربية يومية أن بعض أعضاء القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي كانوا يجوبون مخيمات البوليساريو، ولا سيما مخيم تندوف من أجل تجنيد جهاديين جدد من ذوي الخبرة في تقنيات القتال في الصحراء، كعدنان أبو الوليد الصحراوي وهو من المخيمات المذكورة تولى زعامة كتيبة المرابطين وتم عزله وتعويضه بمختار بلمختار نظرا لإصدار بيان من أبي الوليد يعلن من خلاله بيعته للدولة الإسلامية بتاريخ 13 ماي 2015.

وبحسب المقال، التحق بالفعل حوالي 265 عضوا سابقا في البوليساريو بصفوف المنظمة الإرهابية. في حين، أن بوادر التواطؤ بين أعضاء البوليساريو والقاعدة بالمغرب الإسلامي كانت عديدة بالفعل، فإن اختطاف ثلاثة عمال إغاثة في نونبر 2009 يشهد على مدى تطور هذه الظاهرة ويكشف عن تحول بعض قادة الحركة الصحراوية المؤيدة للاستقلال نحو الإرهاب، وقد تم تفكيك جماعة جهادية تدعى فتح الأندلس كانت تخطط للقيام بعمليات إرهابية واسعة النطاق في الصحراء المغربية، وكانت تنشط في العيون وبوجدور وهي جماعة على روابط مع عناصر تنظيم البوليساريو.

وفي الآونة الأخيرة نلحظ أن عددا من الجزائريين مالوا إلى الفكر الشيعي ومنهم من صار شيعيا، وعلى المستوى الرسمي تحسنت العلاقة بين المسؤولين الجزائريين وإيران، حيث يقول رشيد الغنوشي في هذا السياق: بالتأكيد، يشكل التعاون الاستراتيجي بين الجزائر وإيران مصدر قلق للمغرب، نظرًا لتأثيراته السلبية المحتملة على قضية الصحراء، تعكس الروايات حول وجود علاقات بين الإيرانيين والصحراويين هذا القلق، ويمكن أن يكون ارتفاع مستوى التعاون بين الجزائر وإيران رسالة موجهة نحو حليفتها فرنسا أو الولايات المتحدة، ويُفهم هذا التقارب كمظهر للاحتجاج على ما يَعتبرانه انحيازًا من قبلهما لصالح المغرب في هذا السياق.

وبالفعل فقد أرخت، هذه العلاقة بين الجزائر وإيران بظلالها على تنظيم البوليساريو الذي ثبت تورطه في تلقي الدعم العسكري من طهران، مما دفع بالمغرب قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران سنة 2017، بعد حصوله على دلائل قوية تكشف عن دعم مالي ولوجستي وعسكري قدمه حزب الله اللبناني لجبهة البوليساريو، وكان ذلك بالتنسيق مع السفارة الإيرانية عبر الجزائر، وتظهر هذه الدلائل استفادة البوليساريو من تدريب عناصر قيادية عسكرية وتسليمها أسلحة.

فهذا الدعم العسكري والتمويل السخي من قبل حزب الله لتنظيم البوليساريو والذي سبقته حملة بلبنان من قبل نشطاء في حزب الله مؤيّدين لتنظيم البوليساريو سنة 2016، يجعلنا نجزم بأن تنظيم البوليساريو قد تم تطعيم عناصره بالمبادئ الإيديولوجية الشيعية الإثني عشرية المؤسسة على ولاية الفقيه، لأن تقديم الدعم من قبل حزب الله ذي الصبغة العقدية مشروط بالتبعية لولاية الفقيه، وهذا ما نصت عليه الرسالة المفتوحة: إننا أبناء أمة حزب الله التي نصر الله طليعتها في إيران، وأسست من جديد دولة الإسلام المركزية في العالم… نلتزم بأوامر قيادة وحيدة حكيمة عادلة تتمثل في الولي الفقيه الجامع للشرائط…

وبذلك، نستشف بأن حزب الله يعمل على تصدير الثورة ونشر التشيع في جميع بقاع العالم إلى جانب الحرس الثوري وهو ما يؤكده الدستور الإيراني، حيث ينص في ديباجته في البند المتعلق بالجيش العقائدي على أن: … قوات حرس الثورة لا تلتزم فقط بمسؤولية الحماية وحراسة الحدود فحسب، بل تحمل أيضاً أعباء رسالتها الإلهية، وهي الجهاد في سبيل الله، والنضال لبسط حاكمية القانون الإلهي في العالم.

وقد أشارت تحليلات أجهزة الاستخبارات الغربية، إلى أن الحرس الثوري قام بتدريب متطرفين يمنيين من الحوثيين وتأهيلهم عقائديا وعسكريا في مدينة قم الإيرانية وأيضا متطرفين من أفغانستان، فأرسلوهم إلى داخل شمال اليمن وجنوبه للعمل لحساب إيران هناك، وهو نفس النهج الذي تم اتباعه في نيجيريا مع تنظيم إبراهيم الزكزاكي، حيث ثبت أن النيجيريين يتلقون أولا تدريبا دينيا قبل التدريب العسكري الذي يتم توفيره في معسكرات موجودة في لبنان وعند رجوعهم إلى نيجيريا يعملون على تشييع المخيمات في جميع أنحاء نيجيريا.

وهي نفس الاستراتيجية التي تم اعتمادها مع تنظيم البوليساريو، فموازاة مع الدعم المادي والعسكري الذي قدمته إيران ووكلاؤها لتنظيم البوليساريو، كانت هناك عناصر قامت بزيارات إلى لبنان وإيران لتلقي الدعم الإيديولوجي وسترجع إلى مخيمات تندوف وتعمل على نشر التشيع بين السكان المحليين مستغلة في ذلك الجهل والفقر والاسترزاق، مما سيجعل من ولاية تندوف ولاية إيرانية بامتياز.

*خليد ربيع: دكتور في العلوم السياسية، باحث في التنظيمات المسلحة السلفية والشيعية بإفريقيا



Source link

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات